دراساتٌ في منهاج السُّنَّة لمعرفة ابن تيميّة
مدخل لشرح منهاج الكرامة
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
كلمة المؤلّف
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
وبعد:
فقد ألّف فقيه الشيعة في عصره جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطّهر الحلّي، الشهير بالعلاّمة، المتوفى سنة 726، كتباً في العقائد والإمامة، إشتهر من بينها كتابان هما: كتاب (نهج الحق) وكتاب (منهاج الكرامة)…
وكان الكتابان محطّ أنظار المخالفين والمؤالفين، حتى ردّ على الأوّل منهما الفضل ابن روزبهان الخنجي، في كتاب أسماه بـ (إبطال الباطل)، فانبرى السيّد نور الله القاضي التستري للردّ عليه والدفاع عمّا جاء به العلاّمة، في كتابه الكبير (إحقاق الحق)، ثم نسج على منواله وسار على خطاه الشيخ محمّد حسن المظفّر في كتابه (دلائل الصّدق لنهج الحق).
واشتهر الشيخ عبد الحليم ابن تيميّة الحرّاني المتوفّى سنة 728 بالردّ على الكتاب الثاني، وكان كتابه (منهاج السنّة) من أهمّ كتب أهل السنّة المعتمد عليها والمرجوع إليها في العقائد، وفي خصوص الإمامة منها.
ولمّا طُلب منّي وضع شرح لكتاب (منهاج الكرامة) كان من الطبيعي أن أنظر إلى ردود ابن تيميّة عليه في كلّ مسألة، فجاء الشرح ـ في الحقيقة ـ كالمحاكمة بين (المنهاجين)…
وشرعت في الأثناء في كتابة المقدّمة للشّرح، للتعريف بالكتابين ومؤلّفيهما، فاضطرّني ذلك إلى قراءة كتاب (منهاج السنّة) بالدقّة، من أوّله إلى آخره(1)، فوجدت ابن تيميّة قد جمع كلّ قواه ليستفرغ في كتابه هذا كلّ ما وسعه استفراغه للحدّ من تأثير (منهاج الكرامة) الذي كان مصدر قلق لكثير ممّن هم حول ابن تيميّة ـ تماماً كما فعل ابن حجر المكّي في (صواعقه) وصرّح في ديباجته بالقلق من انتشار التشيّع في زمنه في مكّة ـ بأساليب قد لا توجد في أيّ مؤلَّف آخر في الصراع العقيدي بين المسلمين.
ومن هنا… فقد رأينا أنّ (منهاج السنّة) هو المدخل الأمثل للتعرّف على مؤلّفه (ابن تيميّة)، فبدلا من أن نرجع إلى كلمات العلماء ـ من المعاصرين له والمتأخّرين عنه ـ فإنّ كتابه هذا خير مصدر يعرّفنا روحه، ونفسه، ومنطقه، وثقافته، وآفاقه، وعقائده، وفقهه، ومنهجه في التعامل مع مصادر التّشريع الإسلامي ومع التاريخ الإسلامي ووقائعه، حتى ليصدق القول: إنّ من لم يتدبّر (منهاج السنة) لم يعرف ابن تيمية معرفةً صحيحةً كاملةً.
إنّ الذي قصدناه في هذه (الدراسات) هو التعرّف على ابن تيميّة والتعريف به، التعريف الأصدق والأتم، وإعطاء الصّورة الحقيقيّة لرجل تنازع فيه قومه طويلا، وانشعبوا حوله شعباً، فمنهم من تعصّب له حتى سماّه (شيخ الإسلام)، وجعله المفتاح الأوحد لمعرفة عقائد الإسلام… ومنهم من عكس وتعصّب، حتى كفّر من يلقّبه بذاك اللّقب، ومنذ عصره كان النزاع فيه بين أقوام بالغوا في تعظيمه، وآخرين كالوا عليه شتّى التّهم…
فرأينا أنّ الأحرى أن نرجع إلى ابن تيمية نفسه لمعرفته على حقيقته، بعيداً عن كلّ ما قيل فيه، ولا ريب أن أهم كتبه وأكبرها وأشهرها هو (منهاج السنّة)…
وكان من المناسب تقديم التعريف بالعلاّمة الحلّي وكتابه (منهاج الكرامة)، لكونه المردود بكتاب (منهاج السنّة)…
فكانت هذه (الدراسات). وبالله التوفيق.
(1) اعتمدنا على طبعته الحديثة في 9 أجزاء بتحقيق الدكتور محمّد رشاد سالم.