ويقول أبو حامد الغزالي في إلجام العوام عن علم الكلام:
«إعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف ـ أعني مذهب الصحابة والتابعين ـ وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه فأقول: حقيقة مذهب السلف ـ وهو الحق عندنا ـ أن كلّ من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس ثم التصديق، ثم الإعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة.
أما التقديس، فأعني به تنزيه الربّ تعالى عن الجسمية وتوابعها. وأمّا التصديق، فهو الإيمان بما قاله صلّى الله عليه وسلّم، وأن ما ذكره حق، وهو فيما قاله صادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده. وأمّا الإعتراف بالعجز، فهو أن يقرّ بأن معرفة مراده ليس على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته. وأمّا السكوت، فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر. وأمّا الإمساك، فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلاّ بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة. وأمّا الكف، فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه. وأمّا التسليم لأهله، فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أو على الصدّيقين والأولياء.
فهذه سبع وظائف، إعتقد كافة السلف وجوبها على كلّ العوام، لا ينبغي أن يظنّ بالسلف الخلاف في شيء منها»(1).
(1) الجام العوام ـ الباب الأوّل في شرح اعتقاد السلف: 4ـ5.