كتاب تجريد الكلام
كما أنّه يذكر في مؤلّفي الكتب الكلاميّة المهمّة، بمناسبة كتابه (التجريد) الذي أصبح من أهمّ المتون في هذا العلم، حيث كان يدرَّس في الأوساط العلميّة، ولذا كتبت له الشروح ووضعت عليه التعاليق من علماء الشيعة والسنّة، قال كاشف الظنون:
«تجريد الكلام، للعلاّمة المحقق، نصير الدين أبي جعفر، محمّد بن محمّد الطوسي، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وستمائه… وهو كتاب مشهور، إعتنى عليه الفحول وتكلّموا فيه بالردّ والقبول، له شروح كثيرة وحواش عليها، فأوّل من شرحه جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي شيخ الشيعة، المتوفى سنة 726… وشرحه شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الإصفهاني، المتوفى سنة 746… وقد اشتهر هذا الشرح بين الطلاّب بالشرح القديم، وعليه حاشيةٌ عظيمة للعلاّمة المحقق السيد الشريف…».
ثمّ ذكر الحواشي على حاشية الشريف. إلى أن قال:
«ثم شرح المولى المحقق علاء الدين علي بن محمّد الشهير بقوشجي المتوفى سنة 879 شرحاً لطيفاً ممزوجاً… وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد، قال في ديباجته ـ بعد مدح الفن والمصنّف ـ:
إن كتاب التجريد الذي صنّفه المولى الأعظم، قدوة العلماء الراسخين، اُسوة الحكماء المتألّهين، نصير الحق والملّة والدين، تصنيف مخزون بالعجائب وتأليف مشحون بالغرائب، فهو وإن كان صغير الحجم، وجيز النظم، فهو كثير العلم، جليل الشأن، حسن النظام، مقبول الأئمّة العظام، لم يظفر بمثله علماء الأعصار، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الامّهات، مملوء بجواهر كلّها كالفصوص، متضمّن لبيانات معجزة في عبارات موجزة… وهو في الإشتهار كالشمس في رابعة النهار، تداولته أيدي النظّار.
ثم إنّ كثيراً من الفضلاء وجّهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب ونشر معانيه، ومن تلك الشروح وألطفها مسلكاً هو الذي صنّفه العالم الربّاني مولانا شمس الدين الاصبهاني، فإنّه بقدر طاقته حام حول مقاصده وتلقّاه الفضلاء بحسن القبول، حتى أنّ السيد الفاضل قد علّق عليه حواشي تشتمل على تحقيقات رائقة وتدقيقات شائقة، تنفجر من ينابيع تحريراته أنهار الحقائق، وتنحدر من علوّ تقريراته سيول الدقائق.
ومع ذلك، كان كثير من مخفيّات رموز ذلك الكتاب باقياً على حاله، بل كان الكتاب على ما كان كونه كنزاً مخفيّاً وسرّاً مطويّاً، كدرّة لم تثقب، لأنه كتاب غريب في صنعته، يضاهي الألغاز لغاية ايجازه، ويحاكي الإعجاز في إظهار المقصود وإبرازه.
وإني ـ بعد أن صرفت في الكشف عن حقائق هذا العلم شطراً من عمري، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدراً من دهري، فما من كتاب في هذا العلم إلاّ تصفّحت سينه وشينه، ـ أبت نفسي أن يبقى تلك البدائع تحت غطاء من الإبهام، فرأيت أن أشرحه شرحاً يذلّل صعابه، ويكشف نقابه، واُضيف إليه فوائد التقطتها من سائر الكتب، وزوائد استنبطتها بفكري القاصر، فتصدّيت بما عنيت…
فجاء بحمد الله تعالى كما يحبّه الأودّاء لا مطوّلا فيملّ ولا مختصراً فيخلّ، مع تقرير لقواعده، وتحرير لمعاقده، وتفسير لمقاصده.
انتهى ملخّصاً.
وإنما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن، وفضل الشرح والشارح»(1).
ثم ذكر كاشف الظنون الحواشي والتعاليق على الشرحين القديم والحديث، ثم الحواشي على الحواشي…
أقول:
بعد هذه الجولة الواسعة في مصادر ترجمة المحقق النصير الطوسي رحمه الله، والتي ليس فيها مصدر شيعي واحد، أصبحت براءته مما ينسبه إليه ابن تيميّة لا جدال فيها، إذ لو كان له ضلع في قتل المستعصم وحوادث بغداد، لذكر القوم ذلك، ولما أثنوا عليه إلى هذا الحد.
وأيضاً: لو كان نصير الدين موصوفاً بأقلّ قليل ممّا قال عنه ابن تيمية… لصرّحوا به ونصّوا عليه، فكيف لو كان مشهوراً بالعظائم كما زعم ابن تيمية!!
إنّ من دأب المؤرّخين والمترجمين أن يذكروا عن الرجل ما رأوه وشاهدوه فيه أو بلغهم وسمعوه عنه، حتى وإن لم يكن حقّاً ثابتاً، لا سيّما في مثل الإخلال بالصلوات وشرب المسكرات، ونحو ذلك، وحتى لو كان المقول فيه ذلك من المشاهير من أهل السنة في الفقه والحديث مثلا، كما ذكروا في حقّ (زاهر بن طاهر الشحامي) وأمثاله ممّن لا نريد الإطالة بالتعرّض لما جاء في تراجمهم(2)، فكيف وهو المخالف لهم في المذهب؟!
وبعد: فهذا مشهد من مشاهد منهاج ابن تيمية في الحجاج، وفي التعامل مع التاريخ، إصطدمنا به إضطراراً على عجل… فلنكتف بهذا القدر.
(1) كشف الظنون 1/346ـ351.
(2) نعم لا نريد ذلك، وإلاّ فعندنا أسماء كثيرين ممّن يصفونهم بالعلم والحفظ ونحو ذلك من الصفات، ذكروا بتراجمهم الإخلال بالصّلوات وارتكاب الفواحش.