شرح فصوله
وهو يتضمّن مقدمةً وستة فصول.
أما المقدمة، فقد ذكر فيها أهمية مسألة الإمامة وضرورة الإعتقاد بها عقلا ونقلا.
وأمّا الفصول:
فالفصل الأول: في نقل المذاهب في هذه المسألة.
والفصل الثاني: في أنّ مذهب الإماميّة واجب الاتّباع.
والفصل الثالث: في الأدلّة الدالّة على إمامة علي أميرالمؤمنين بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والفصل الرابع: في إمامة باقي الأئمة الإثني عشر.
والفصل الخامس: في أن من تقدَّم على علي لم يكن إماماً.
والفصل السادس: في نسخ حجج القائلين بإمامة أبي بكر بعد النبي.
خلاصة الفصل الأول:
بيان ضرورة وجود الإمام في كلّ زمان، وذلك لأنّ الله عدل حكيم لا يفعل إلاّ ما فيه صلاح العباد، فأرسل الرّسل لإرشادهم، فكان نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم آخرهم، فنصب من بعده أئمةً معصومين، وهم اثنا عشر، أوّلهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم محمّد بن الحسن المهدي. فهذا موجز عقيدة الامامية.
وأمّا أهل السنّة فذهبوا إلى خلاف ذلك كلّه، فلم يثبتوا العدل والحكمة في أفعال الله، وأنّه لا يفعل ما هو الأصلح للعباد، بل ما هو الفساد في الحقيقة، وأن الأنبياء غير معصومين، وأن النبيّ لم ينص على إمام، وأنه مات بغير وصية.
فقالوا بإمامة أبي بكر من بعده لمبايعة عمر برضا أربعة.
ثم من بعده عمر بنصّ أبي بكر عليه.
ثم عثمان بنصّ عمر على ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم.
ثم علي أميرالمؤمنين لمبايعة الخلق له.
ثم إنهم اختلفوا في الإمام من بعده، ثم ساقوا الإمامة في بني اُميّة، حتى ظهر السفّاح فساقوها في بني العبّاس.
ففي هذا الفصل أشار إلى بعض المسائل الكلاميّة عند الفريقين، لكي يبيّن الأسس الأصليّة لما يذهب إليه كلٌّ منهما، فإنّ الإماميّة لمّا قالت بعدل الله وحكمته، وأنه يفعل ما هو الأصلح للعباد والأنفع لهم في الدنيا والآخرة، كان مقتضى ذلك أن يرسل إليهم رسلا مبشّرين ومنذرين، وكانوا معصومين في كلّ أفعالهم وأقوالهم، وإلاّ لم يبق وثوق بأقوالهم وأفعالهم، فتنتفي فائدة البعثة، وهذا خلاف المصلحة ونقض للغرض، وذلك محال.
ولمّا كان نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم معصوماً، وقد نصَّ على أنّ الخليفة من بعده علي بن أبي طالب، ثمّ من بعده على ولده الحسن الزكي… وهكذا حتى المهدي المنتظر، عليهم السلام، كان الإعتقاد بإمامة هؤلاء ـ دون غيرهم ـ هو الواجب من قِبَل الله سبحانه…
أمّا أهل السنّة فلمّا لم يثبتوا العدل والحكمة في أفعال الله، وجوّزوا عليه فعل القبيح، وأن لا يفعل ما هو الأصلح للعباد… لم يقولوا بعصمة الأنبياء، بل جوّزوا عليهم الخطأ بل الكذب، وعلى هذا لم يروا أنفسهم ملزمين بما أخبر أو أمر به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجوّزوا لأصحابه الإجتهاد في مقابل نصوصه.
ولمّا كانوا يقولون بجواز إخلال الله تعالى بالواجب، قالوا بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مات بغير وصيّة، وترك الشّريعة والاُمّة بغير إمام وولّي، فاضطرّوا إلى الإعتقاد بما وقع، من إمامة أبي بكر بعده، ببيعة واحد فقط وهو عمر ابن الخطاب، وإمامة عمر لنصّ أبي بكر عليه، وإمامة عثمان لنصّ عمر على ستّة هو أحدهم فاختاره بعضهم. ثم جعلوا عليّاً الخليفة الرّابع لا لنص أو وصيّة بل بدليل مبايعة الخلق له…
حتى اضطرّوا إلى القول بإمامة يزيد، وبني مروان، والسفّاح، والمتوكّل، وأمثالهم، وإلى يومنا هذا!!
خلاصة الفصل الثاني:
وفي الفصل الثّاني يذكر مقدّمةً يشير فيها إلى أمر لا ريب فيه، وهو وقوع الإختلاف بين الناس بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتعدّد آرائهم، وينبّه على أنّ كون الكثرة في طرف لا يستلزم الحق والصواب، فإذاً لابدَّ للمسلم ـ شرعاً وعقلا ـ من النظر في الحق واعتماد الإنصاف وإقرار الحقّ مقرّه.
ثم ذكر ستّة وجوه على أنّ مذهب الإماميّة هو الحقّ الواجب اتّباعه:
الوجه الأول منها هو: أن مذهب الإمامية أحسن المذاهب في الأصول والفروع. وهنا يعرض بإيجاز لمذهب الإمامية في الصفات والقدر، والقول بعصمة الأنبياء والأئمة. أما في المسائل الفرعية فإن الإمامية يأخذون أحكامهم عن الأئمة المعصومين ويرفضون الرأي والإجتهاد والقياس والإستحسان.
ويقارن بعد ذلك مذهب الإمامية بالمذاهب الأخرى، فيعرض لأقوال الأشاعرة والحشوية والمشبِّهة والكرّامية في مسألة الصفات، ثم يعرض لما يعدّه مذهب أكثر المسلمين في القدر، ومقتضاه القول بأن الله يفعل كلّ شيء حتى المعاصي والكفر والقبائح، وأن العبد لا تأثير له في ذلك، ولا غرض لله تعالى في أفعاله، ولا يراعي مصلحة العباد في فعله لها، وكلّ فعل للعبد فإنما يقع بإرادة الله تعالى. ثم يسرد النتائج الشنيعة التي تترتب على هذه الآراء، إذ لا يبقى هناك فرق بين الطاعة والمعصية والثواب والعقاب، وتنتفي الثقة بالله تعالى ورسله وأنبيائه.
ويعود فيعرض بالتفصيل لما أجمله من قبل، فينقد رأي الأشاعرة في إمكان رؤية الله، وفي أن كلام الله قديم، ويشرح مرة أخرى رأي مخالفي الإمامية في مسألة عصمة الأئمة، ويبين الأضرار الناجمة عن الأخذ بالقياس والرأي في أحكام الشريعة.
والوجه الثاني ـ من الوجوه الدالة على وجوب اتّباع مذهب الإمامية ـ قائم على حديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها ناجية والباقي في النار، والفرقة الناجية هي الفرقة الإماميّة الاثنا عشرّية، لحديث السفينة المتفق عليه بين الفريقين.
وقد ذكر أنّه أخذ هذا الإستدلال من شيخه نصير الدين الطوسي.
أمّا الوجه الثالث فهو: أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم يوم القيامة، على عكس أهل السنّة.
والوجه الرابع: مبني على أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين المشهورين بالعلم والفضائل المختلفة. وهنا يأخذ في الكلام عن فضائل كلّ إمام من الأئمة الاثني عشر واحداً واحداً، لكن بإيجاز.
والوجه الخامس: في أنّ الاماميّة لم يذهبوا إلى التعصّب في غير الحق، أمّا أهل السنّة فقد غيّروا الشّريعة وبدّلوا الأحكام، ثم ابتدعوا أشياء واعترفوا بأنها بدعة، وهي ما زالت موجودة بينهم، كذكر خلفائهم في الخطبة، وغسل الرجلين في الوضوء، وإنكار المتعتين، ومنع الإرث عن فاطمة عليها السّلام، وتسمية أبي بكر بالخليفة، وعمر بالفاروق، وتعظيم عائشة على باقي نسوان النّبي، وتسمية معاوية خال المؤمنين دون محمّد بن أبي بكر، وبكاتب الوحي ولم يكتب منه ولا حرفاً، مع ما كان عليه من الموبقات، كمحاربة علي وسمّ الحسن… وكتسمية خالد سيف الله.
وتمادى بعضهم في التعصّب حتى اعتقدوا إمامة يزيد بن معاوية، مع ما صدر عنه من الأفعال القبيحة، من قتل الإمام الحسين عليه السّلام…
والوجه السادس هو: إن الإماميّة لما رأوا فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام وكمالاته التي لا تحصى قد رواها المخالف والمؤالف، ورأوا الجمهور قد نقلوا عن غيره من الصحابة مطاعن كثيرة ولم ينقلوا في علي عليه السلام طعناً ألبتة، إتّبعوا قوله وجعلوه إماماً لهم وتركوا غيره، فذكر طرفاً من تلك الفضائل والمطاعن.
وكلّ وجه من هذه الوجوه صالحٌ لأن يعتمده الباحث المنصف عن المذهب الحق والطريق الصحيح الموجب لنيل الكرامة عند الله، فالوجه الأول ناظرٌ إلى الأُصول العقائدية عند الشيعة والسنّة، فإذا لوحظ ما تقول به الشيعة الإمامية وما تذهب إليه الطوائف الاخرى ـ كما جاء في كتبهم الإعتقادية المعتبرة ـ وجد عقائد الإمامية هي المطابقة لحكم الدين ودرك العقل السّليم.
وإذا كان الباحث عن المذهب الحق منصفاً، فإنّه لا يتردّد في اتّباع ما وافق الدين والعقل، واعتناقه مذهباً مبرءاً للذمّة وموجباً للنجاة.
والوجه الثاني ناظرٌ إلى استدلال متين قائم على أساس حديثين واردين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند كلا الفريقين بأسانيد معتبرة، يعلن في الأوّل منهما أن اُمّته ستفترق من بعده كما افترقت الأُمم السّابقة، ومن الواضح أن لا نجاة لجميع الفرق المختلفة، لكون الحق مع فرقة واحدة فقط من بينها، فكان عليه أن يحذّر الامّة من الاختلاف والتفرّق، ويذكّرهم بأن الناجية من تلك الفرق فرقة واحدة فقط.
لكنّ رأفته بالأمّة وعطفه عليهم وحبّه لنجاتهم، كلّ ذلك دعاه لأن لا يترك المطلب على إجماله، فبيّن لهم ـ في الحديث الثاني ـ وعيّن الفرقة النّاجية، مشبّهاً أهل بيته بسفينة نوح، فأرشدهم طريق النجاة والخلاص، ودعاهم إلى اتّباع أهل بيته والإنقياد لهم، وأنّه كما غرق قوم نوح أجمعون إلاّ من ركب السفينة، فإنّ قومه كلّهم هالكون إلاّ من اتّبع أهل البيت.
وإذا كان هذان الحديثان واردين بطرق صحيحة عند الفريقين، وكانت دلالتهما على هذه النتيجة واضحةً جدّاً لكلّ عاقل منصف، وجب عليه اتّباع مذهب أهل البيت ولم يبق له عذر أبداً.
والوجه الثالث ناظر إلى قضيّة عقليّة عقلائيّة، يصوّر فيه حال الباحث الحائر، والدائر أمره بين الأخذ بمذهب الامامية أو الأخذ بمذهب أهل السنّة، ويرشده إلى مراجعة العقل والرجوع إلى السيرة العقلائية المستوحاة من عقولهم، فإنّهم ـ في مثل هذه الحالات ـ لا يبقون في الحيرة ولا يتيهون، بل يأخذون بالحزم ويتّبعون اليقين، فمن خالفه ذمّوه، ولو انكشف الخلاف كان معذوراً عندهم.
ولعلّه استفاد هذا الوجه من استدلال الإمام الرضا عليه السلام على الزنديق وقوله له: «أيّها الرجل، أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس هو كما تقولون ـ ألسنا وإيّاكم شرعاً سواء، لا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا؟ فسكت الرجل. ثم قال أبو الحسن عليه السّلام: وإن كان القول قولنا ـ وهو قولنا ـ ألستم قد هلكتم ونجونا؟»(1).
والوجه الرّابع ناظرٌ إلى أئمّة القريقين وقادتهما، فالشيعة الإثنا عشريّة أئمتهم معصومون، مشهورون بالفضل والعلم والزّهد والورع عند جميع المسلمين، وأمّا أئمّة أهل السنّة فلم يدّع أحد العصمة لواحد منهم، ولم يكونوا مشهورين ـ حتى عند القائلين بإمامتهم ـ بالفضل والعلم والورع والزهد وأمثالها من الصّفات اللاّزم توفّرها في كلّ إمام حق متّبع، بل على العكس من ذلك، فقد ثبت عنهم الظلم والجهل والجبن، بل اشتهر أكثرهم بالفسق والفجور والمعاصي…
فلو أنّ الباحث المنصف قارن بين هؤلاء الأئمة، وأئمة أهل بيت النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأراد أن يتّخذ أئمةً يقودونه إلى النجاة والجنّة، إتّخذ أئمة الإماميّة أئمةً وقادةً، وأطاعهم عقيدةً وعملا.
والوجه الخامس ناظرٌ إلى المقارنة بين الفرقتين ـ الشيعة والسنّة ـ من النواحي العمليّة والأخلاقيّة، والتعبّد بما جاء في الكتاب والسنّة الثابتة من الاُصول الإعتقادية والأحكام الشرعية… فذكر أن الإماميّة لم يذهبوا إلى التعصّب في غير الحق، ولم يخالفوا المشروع في اعتقاد أو عمل، أمّا أهل السنّة فقد نقل عن كتبهم موارد كثيرة خالفوا فيها المشروع في الإسلام، بل ابتدعوا أشياء والتزموا بها إلى يومنا هذا.
لقد وضع الباحث المنصف ـ في هذا الوجه ـ أمام مذهبين أحدهما ملتزم بما جاء به الدين الحنيف ولا يتعدّى حدوده ولا في حكم من أحكامه، والآخر يفتي ويعمل بخلاف المشروع مع الإعتراف بذلك!! ويفتي ويعمل بالبدع والمحدثات التي لا أصل لها في الشّريعة!!.
فمن الواضح أنه سوف لا يتّبع إلاّ مذهب الإماميّة.
والوجه السّادس ناظرٌ إلى تعيّن أمير المؤمنين عليه السّلام للإمامة والخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بالنظر إلى فضائله وكمالاته التي لا تحصى، والتي رواها الفريقان في كتبهم المعتبرة، وانتفائها عن أئمة أهل السنّة، بل وجود مطاعن تطعن في إمامتهم يرويها المعتقدون بها قبل غيرهم.
ثم يشرع بذكر طرف من فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام ومطاعن مناوئيه، معتمداً في ذلك كلّه على كتب أهل السنّة ورواياتهم.
فإذا وقف الباحثُ المنصف على فضائل علي ومطاعن غيره، فمن يتّبع ويتّخذ إماماً؟!
خلاصة الفصل الثالث:
وقد جعل هذا الفصل في الأدلّة الدالة على إمامة أميرالمؤمنين عليه السّلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا فصل، فقال: «الأدلّة على ذلك كثيرة لا تحصى، لكن نذكر المهم منها وننظمه أربعة مناهج».
ذكر في الأول أدلّة من العقل، وفي الثاني من الكتاب، وفي الثالث من السنّة، وفي الرابع من أحواله عليه الصلاة والسلام.
(1) الكافي 1/78.