الباب الثاني:
عقيدة ابن تيميّة في:
* رؤية الباري
* خلق القرآن
* أفعال العباد
* عصمة الأنبياء والأئمة
* التقيّة
* الشفاعة
* زيارة القبور
* إقامة العزاء
* البكاء على الأموات
رؤية الباري
وذكر ابن تيمية عقيدته في رؤية الباري في مواضع عديدة:
يقول العلامة ـ في بيان عقائد الإمامية ـ: «وأنه تعالى غير مرئي ولا مدرك بشيء من الحواس، لقوله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ)، ولأنه ليس في جهة»(1).
ويقول: في بيان عقائد أهل السنّة وهم الأشاعرة ـ: «وذهبت الأشاعرة إلى أنّ الله يرى بالعين، مع أنّه مجرد عن الجهات، وقد قال الله تعالى (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ). وخالفوا الضرورة من أنّ المدرك بالعين يكون مقابلا أو في حكمه وخالفوا جميع العقلاء في ذلك…»(2).
فاعترف ابن تيمية وأقرّ بهذه العقيدة، ونسبها إلى الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، وسائر أهل السنّة والحديث، والطوائف المنتسبين إلى السنّة والجماعة.
وبالجملة، فإنّه قال بتواتر الأحاديث وإجماع السّلف على إثبات الرؤية بالعين في الآخرة ونفيها في الدنيا. (قال): إلاّ الخلاف في النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ثم ذكر مشكلة القائلين منهم «بأنّ الله يرى بلا مقابلة» مع قولهم بأن «الله ليس فوق العالم» قال: «فلما كانوا مثبتين للرؤية نافين للعلوّ احتاجوا إلى الجمع بين هاتين المسألتين».
ثم قال: «وهذا قول طائفة من الكلابية والأشعرية ليس هو قول كلّهم، بل ولا قول أئمتهم، بل أئمة القوم يقولون: إن الله بذاته فوق العرش».
ثم جعل ـ بعد تجويز أن يكون بعض أهل السنّة المثبتين للرؤية قد أخطأوا في بعض أحكامها، وإنّ ذلك لم يكن قدحاً في مذهب أهل السنّة والجماعة ـ يلف ويدور، لعلّه يوجّه الرأي الذي ينتهي إلى التناقض…
إلاّ أنه رجع عمّا ذكره للجمع بين المسألتين ورفع التناقض، فقال للعلاّمة: «وإن لم يمكن لزم خطؤنا في إحدى المسألتين… وأنتم نفيتم الرؤية ونفيتم العلوّ والمباينة، فكان قولكم أبعد عن المعقول والمنقول من قولنا، وقولنا أقرب من قولكم. وإن كان في قولنا تناقض فالتناقض في قولكم أكثر، ومخالفتكم لنصوص الكتاب والسنّة وإجماع سلف الاُمة أظهر، وهذا بيّن»(3).
أقول:
ولم يكتف بنسبة القول بالرؤية إلى الكتاب والسنّة وإجماع السّلف، وأنّ الإمامية مخالفة لكلّ ذلك، بل نسب ذلك إلى أئمة أهل البيت، وأنّ الإمامية تخالف الأئمة أيضاً(4) وسنذكر عبارته هذه.
وبالجملة، فمن نظر في كلامه في المسألة بتدبّر يستنتج أنه يريد الردّ على الإماميّة، ولو بالإلتزام باللاّ صحيح واللاّ معقول…
إنّه يقول في نهاية المطلب: «فنقول: قول الأشعرية المتناقضين خير من قول هؤلاء، وذلك أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يشار إليه ولا يقرب منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا ترفع إليه الأيدي ونحو ذلك، كانت الفطرة منكرة لذلك.
والعقلاء جميعهم الذين لم تتغيّر فطرتهم ينكرون ذلك، ولا يقرّ بذلك إلاّ من لقّن أقوال النفاة وحجّتهم، وإلاّ فالفطر السليمة متفقة على إنكار ذلك… فنقول:
إنّ كان قول النفاة حقاً مقبولا في العقل، فإثبات وجود الربّ على العرش من غير أن يكون جسماً أقرب إلى العقل وأولى بالقبول، وإذا ثبت أنه فوق العرش فرؤية ما هو فوق الإنسان وإن لم يكن جسماً أقرب إلى العقل وأولى بالقبول من إثبات قول النفاة.
فتبيّن أن الرؤية على قول هؤلاء أقرب إلى العقل من قول النفاة»(5).
(1) منهاج السنة 2/315.
(2) منهاج السنة 3/340.
(3) منهاج السنة 3/342ـ344.
(4) منهاج السنة 2/368.
(5) منهاج السنة 3/347ـ348.