حديث: إن فاطمة أحصنت… كذب
من ذلك قوله: «والحديث الذي ذكره عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن فاطمة، هو كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث، ويظهر كذبه لغير أهل الحديث أيضاً، فإنّ قوله: إنّ فاطمة أحصنت…»(1).
أقول:
هذا الحديث أخرجه كبار الأئمة والحفّاظ بأسانيدهم، وذكروه في فضائل سيّدة نساء العالمين، في كتبهم المعتبرة:
كالبزّار وأبي يعلى في مسنديهما، وابن شاهين في السنّة، وعنهم السيوطي(2) والطّبراني في الكبير(3) والدارقطني(4)والحاكم(5) وأبي نعيم(6) والخطيب(7) وابن عساكر(8) والمزّي(9) والمحب الطبري(10) وابن حجر العسقلاني(11)والزّرقاني(12) والمتّقي الهندي(13) وغيرهم.
وهؤلاء «أهل المعرفة بالحديث»!
وأمّا سند الحديث، فمنهم من صحّحه كالحاكم النيسابوري، ومنهم من رواه ولم يتكلّم بشىء كالمزّي قال: «روينا… وعن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود..» وكالخطيب وسنذكر روايته، ومنهم من تكلّم فيه لمكان (عمر بن ثابت) في سنده كالذهبي حيث قال: «فالآفة عمرو»(14)، ومنهم من حكم بوضعه كابن الجوزي، إذ أورده بطريقين وقال: «الطريقان على عمر بن غياث، ويقال فيه: عمرو، وقد ضعّفه الدار قطني وقال: كان من شيوخ الشيعة…»(15).
أقول:
أمّا القول بوضعه فباطل، لا سيّما والقائل ابن الجوزي الذي نصّ الأئمة كالنّووي والذهبي والسيوطي على تسرّعه في الحكم بالوضع ومجازفته في خصوص كتابه الذي أسماه بالموضوعات… وممّا يشهد ببطلان الحكم عليه بالوضع أنّ الذهبي قال في تعقّبه قول الحاكم «صحيح» قال: «بل ضعيف».
ثمّ إنّ الحافظ السيوطي تعقّبه في (اللآلي المصنوعة) فذكر رواية العقيلي وأنه لم يقل بعدها إلاّ «في هذا الحديث نظر» وذكر رواية البزّار وقوله بعدها: «لا نعلم رواه هكذا إلاّ عمر، ولم يتابع عليه»، ثم ذكر رواية ابن شاهين وابن عساكر وليس فيها «عمر بن غياث» وهي «عن تليد، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود» قال السيوطي: «وهذه متابعة لعمر، وتليد روى له الترمذي، لكنه رافضي»، ثم ذكر رواية المهرواني بسنده عن عاصم عن زر عن حذيفة قال قال رسول الله، وليس فيه لا «عمر بن غياث» ولا «تليد»، ثم ذكر رواية الخطيب الآتية ولم يتكلّم في سندها بشيء، ثم ذكر للحديث شاهداً(16).
وتلخّص: سقوط القول بوضعه.
وأمّا القول بضعفه، فساقط كذلك، لأن هذا الرجل ـ وهو: «عمر بن غياث» أو «عمرو بن غياث» أو «عمر بن عتّاب» ـ لم يثبت له جرح.
أمّا أوّلا: فإنّ الحاكم وثّقه، لتصحيحه الحديث وهو في السند.
وأمّا ثانياً: فإنّ العقيلي والبزّار لم يقدحا في الرجل كما في (اللآلي المصنوعة) وإنما قال الأوّل «في هذا الحديث نظر» والثاني قال: «لم يتابع عليه».
وأمّا ثالثاً: فإنّ أبا نعيم قال ـ بعد أن رواه بسنده عن معاوية بن هشام، عن عمرو بن غياث، عن عاصم، عن زر، عن عبدالله ـ: «هذا غريب من حديث عاصم عن زر، تفرّد به معاوية» فلا طعن في «عمرو» أو «عمر» أصلا.
وأمّا رابعاً: فلأنّ تضعيف الرجل ـ فيما نقل عن الدارقطني ـ مستند إلى مذهبه، إذ المنقول عنه: «ضعيف، وكان من شيوخ الشيعة» وأنت تعلم أنّ التشيّع بل الرفض غير مضر، كما قرّر الحافظ ابن حجر في (مقدّمة فتح الباري). أو أنه مستند إلى نكارة أحاديثه ـ عندهم ـ كما عن أبي حاتم، قال ابنه: «عمر بن غياث الحضرمي، روى عن عاصم بن أبي النجود. روى عنه معاوية بن هشام وأبو نعيم،سمعت أبي يقول ذلك ويقول: هو منكر الحديث وكان مرجئاً»(17).
لكنه هذه المرّة نسب إلى «الإرجاء»!!
أقول:
فالحق: إنه ثقة والحديث صحيح كما عليه الحاكم ومن تبعه، غير أنّ القوم لمّا رأوا الرّجل يحدّث بفضائل أهل البيت عليهم السلام حاولوا إسقاطه بكلّ وسيلة، فذكروا اسمه على أنحاء، ونسبوه تارةً إلى التشيّع، وأخرى إلى الإرجاء، ومنهم من لم يجزم ـ كما عن ابن عدي ـ فقال: «يقال كان مرجئاً»(18)، ومنهم من قال فقط: «منكر الحديث».
فالحق صحّة هذا الحديث كما نصّ الحاكم، لكنّ بعضهم ـ كالحافظ المزّي ـ رواه وسكت عليه، فما كان بالمنصف كالحاكم ولا بالمجحف كمن ضعّف.
ثمّ إنّ للحديث طرقاً غير هذا الطّريق، وله شواهد عن الرسول الأعظم، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في كلام السيوطي في (اللآلي):… ونحن نورد هنا ما رواه ابن شاهين والخطيب البغدادي:
قال ابن شاهين: «حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني، حدّثنا يونس بن سابق ـ قراءةً ـ أنبأنا حفص بن عمر الابلي، حدّثنا عبدالملك بن الوليد بن معدان وسلام بن سليم القاري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إن فاطمة حصنت فرجها فحرّمها الله وذريّتها عن النار.
حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن، حدّثني محمّد بن عبيد بن عتبة، حدّثنا محمّد بن إسحاق البلخي، حدّثنا تليد، عن عاصم، عن زر، عن عبدالله قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إن فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريّتها على النار»(19).
وقال الخطيب بترجمة «محمّد بن علي» وهو الإمام الجواد ابن الإمام الرضا عليهما السّلام «أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدّثنا أحمد بن إسحاق، حدّثنا إبراهيم ابن نائلة، حدّثنا جعفر بن محمّد بن يزيد قال: كنت ببغداد فقال لي محمّد بن منذر ابن مهريز: هل لك أن اُدخلك على ابن الرضا؟ قلت: نعم. قال: فأدخلني، فسلّمنا عليه وجلسنا، فقال له: حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريّتها على النار؟ قال: خاص بالحسن والحسين»(20).
فمنه يظهر شهرة الحديث، وكون صدوره عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مفروغاً منه، وإنما سأل الرّاوي عن المراد من «الذريّة» فيه.
أقول:
وأمّا شواهد الحديث فراجع لأجلها (اللآلي المصنوعة) و (فيض القدير) و (شرح المواهب اللدنيّة)… لئلاّ يطول بنا المقام بذكرها.
(1) منهاج السنة 4/62.
(2) إحياء الميت بفضائل أهل البيت الحديث 38: 35.
(3) المعجم الكبير الترجمة 1018، 22/406 ـ 407.
(4) العلل الواردة في الأحاديث النبويّة ـ الثاني من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، السؤال 710 ، 5/65 .
(5) المستدرك على الصحيحين كتاب معرفة الصحابة الحديث 4726، 3/165.
(6) حلية الأولياء الترجمة 274، زر بن حبيش 4/188.
(7) تاريخ بغداد الترجمة 997، محمد بن علي الرضا احد الأئمّة الاثنى عشر 3/54.
(8) فيض القدير شرح الجامع الصغير الحديث 2309، 2/586.
(9) تهذيب الكمال ـ الترجمة 7899، فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، 35/251.
(10) ذخائر العقبى ذكر تحريم ذريتها على النّار: 48.
(11) المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية ـ كتاب المناقب باب الحسن والحسين ، الحديث 3987 ، 4/70 .
(12) شرح المواهب اللدنية 3/203.
(13) كنز العمال 12/108 الرقم 34220 عن: البزار وابن عساكر والطبراني والحاكم.
(14) ميزان الاعتدال ـ حرف العين، الترجمة 6405، عمرو بن عتاب، 3/280.
(15) الموضوعات ـ باب ذكر تزويج فاطمة بعلي، الحديث الثامن في تحريمهما و ذريتهما عن النار 1/317.
(16) اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ـ كتاب السنة، مناقب أهل البيت 1/400ـ402.
(17) الجرح والتعديل ـ 698، عمر بن غياث الحضرمي 6/128.
(18) لسان الميزان ـ الترجمة 6168، عمرو بن غياث 5/220.
(19) فضائل فاطمة الزهراء ـ الرسالة الاولى، الحديث 11 و12 ص17 ـ 18.
(20) تاريخ بغداد ـ الترجمة 997، محمّد بن علي الرضا أحد الأئمة الاثنى عشر 3/54.