تحاملات ابن تيميّة على العلاّمة
وأعلام الاماميّة واتّهامهم
هذا، وإنّ من يقرأ كتاب (منهاج الكرامة) لا يجد فيه من مثل هذه الكلمات التي سمعتها من ابن تيمية ولا كلمة.
وحتى لمّا وصل إليه كتاب ابن تيميّة المشحون ـ من أوّله إلى آخره ـ بالشتائم والسباب، ذكروا أنه ما قال في الجواب إلاّ أن كتب إليه:
«لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى *** طرّاً لصرت صديق كلّ العالم»
الأبيات(1).
وقال: «لو كان يفهم ما أقول أجبته»(2).
بل حكي أنّهما اجتمعا في الحج وتذاكرا، فأعجب ابن تيميّة بكلامه فقال له: من تكون يا هذا؟ فقال: الذي تسمّيه ابن المنجّس(3).
والمقصود أنّه لم يقابله بالمثل أبداً، لا عندما وصل إليه كتابه، ولا عندما اجتمع به على ما روي…
بل لقد أفهم العلاّمة ـ بأدب وظرافة ـ ابن تيمية بما يتحلّى به كغيره ممّن تربّى بمدرسة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ من الصفات الجميلة، وبما يتّصف به المتخرّج من مدرسة غيرهم!!
* نعم… لقد ذكروا أنّه كان يعبّر عن العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر بـ «ابن المنجّس»(4).
وجاء في مقدمة منهاجه: «وهذا المصنّف سمّى كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة. كما أن من ادّعى الطهارة ـ وهو من الذين لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم، بل من أهل الجبت والطاغوت والنفاق ـ كان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير»(5).
* وقال: «فالمصنّف قد احتجّ بأحاديث موضوعة كذب باتّفاق أهل المعرفة…»(6).
* وقال: «إنّ هذا المصنف الرافضي الخبيث الكذّاب المفتري»(7).
* وقال في كلام له: «وهذا أمر معلوم بالضرورة لمن عرف هؤلاء وهؤلاء، واعتبر هذا مما تجده في كلّ زمان من شيوخ السنّة وشيوخ الرّافضة كمصنّف هذا الكتاب، فإنّه عند الإماميّة أفضلهم في زمانه بل يقول بعض الناس: ليس في بلاد المشرق أفضل منه في جنس العلوم مطلقاً، ومع هذا، فكلامه يدلّ على أنه من أجهل خلق الله بحال النبي صلّى الله عليه وسلّم وأقواله وأعماله، فيروي الكذب الذي يظهر أنه كذب من وجوه كثيرة، فإن كان عالماً بأنه كذب فقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من حدّث عنّي بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين. وإن كان جاهلا بذلك دلّ على أنّه من أجهل الناس بأحوال النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم»(8)
* وقال: «وهؤلاء الرافضة إمّا منافق وإمّا جاهل.. وشيوخهم المصنّفون فيهم طوائف يعلمون أن كثيراً ممّا يقولونه كذب، ولكن يصنّفون لهم لرياستهم عليهم، وهذا المصنّف يتّهمه الناس بهذا… فهو من جنس علماء اليهود…»(9).
* وقال: «وهذا الرافضي المصنّف وإن كان من أفضل بني جنسه ومن المبرّزين على طائفته، فلا ريب أن الطّائفة كلّها جهّال…»(10).
* وقال: «هذا الرافضي الجاهل الظالم، يبني أمره على مقدمات باطلة، فإنّه لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهى من حجج الرافضة… ليس لهم عقل ولا نقل، ولا دين صحيح ولا دنيا منصورة»(11).
* وقال: «هذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة لعلي… لا يقول هذا إلاّ زنديق أو جاهل مفرط في الجهل»(12).
* وقال: «هذا الحمار الرافضي الذي هو أحمر من عقلاء اليهود، الذين قال الله فيهم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً)…»(13).
* وقال: «وهذا الرجل سلك مسلك سلفه شيوخ الرافضة، كابن النعمان المفيد ومتّبعيه، كالكراجكي وأبي القاسم الموسوي والطوسي وأمثالهم، فإن الرافضة في الأصل ليسوا أهل علم وخبرة بطريق النظر والمناظرة ومعرفة الأدلّة… كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار… وإنما عمدتهم في المنقولات على تواريخ منقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب بل والإلحاد…»(14).
* وقال: «ومصنّف هذا الكتاب وأمثاله من الرافضة، إنما نقابلهم ببعض ما فعلوه باُمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم سلفها وخلفها، فإنهم عمدوا إلى خيار أهل الأرض من الأوّلين والآخرين بعد النبيّين والمرسلين، وإلى خيار اُمّة اُخرجت للناس، فجعلوهم شرار الناس، وافتروا عليهم العظائم، وجعلوا حسناتهم سيّئات، وجاؤا إلى شر من انتسب إلى الإسلام من أهل الأهواء وهم الرافضة، بأصنافها غاليّها وإماميّها وزيديّها، والله يعلم وكفى بالله عليماً، ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم، لا أجهل ولا أكذب ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم، فزعموا أن هؤلاء هم صفوة الله من عباده…»(15).
* وأمّا سبّه المحقق العظيم الشيخ نصير الدّين الطّوسي… فقد تكلّمنا عليه بالتفصيل في مدخل الدراسات.
أقول: فالله يحكم بينهم وبينه بالعدل، وهو خير الحاكمين.
(1) الدرر الكامنة الترجمة 1618، الحسين بن يوسف بن المطهّر الحلّي، 2/71.
(2) لسان الميزان الترجمة 2841، الحسين بن يوسف بن المطهّر الحلّي، 2/587.
(3) الدرر الكامنة 2/72 في الهامش نقلا عن خط السّخاوي.
(4) النجوم الزاهرة السنة السابعة عشر من سلطنة الملك الناصر محمّد بن قلاوون الثالثة على مصر، 9/ 192.
(5) منهاج السنة 1/21.
(6) منهاج السنة 1/107.
(7) منهاج السنة 3/450.
(8) منهاج السنة 4/127ـ128.
(9) منهاج السنة 5/161.
(10) منهاج السنة 6/444.
(11) منهاج السنة 7/172.
(12) منهاج السنة 7/252.
(13) منهاج السنة 7/290.
(14) منهاج السنة 1/59.
(15) منهاج السنة 5/160ـ161.