البناء على القبور و زيارتها
والبكاء على الأموات وإنشاء القصائد في الرّثاء
وقد أقام ابن تيمية القيامة على من يبني القبور ويزورها مطلقاً، سواء كان من الشيعة أو السنّة، وما أكثر سبّه واتّهامه، وأشدّ طعنه وافترائه لمن يفعل ذلك.
فلقد عدّ من حماقات الشيعة: «إظهارهم لما يجعلونه مشهداً» قال: «فكم كذبوا الناس وادّعوا أن في هذا المكان ميّتاً من أهل البيت، وربما جعلوه مقتولا، فيبنون ذلك مشهداً، وقد يكون ذلك قبر كافر أو قبر بعض الناس، ويظهر ذلك بعلامات كثيرة»(1).
ثم ذكر في مشابهات الشيعة للنصارى اُموراً، منها: «وكذلك الرافضة غلوا في الرسل، بل في الأئمة، حتى اتّخذوهم أرباباً من دون الله، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذّبوا الرسول فيما أخبر به، من توبة الأنبياء واستغفارهم، فتجدهم يعطّلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا يصلّون فيها جمعةً ولا جماعة، وليس لها عندهم كبير حرمة، وإن صلّوا فيها صلّوا فيها وحداناً، ويعظّمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهةً للمشركين، ويحجّون إليها كما يحجّ الحاجُّ إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبّون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي فرضه الله على عباده، ومن لا يستغني بها عن الجمعة والجماعة. وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضّلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن… وقد صنّف شيخهم ابن النعمان المعروف عندهم بالمفيد ـ وهو شيخ الموسوي والطوسي ـ كتاباً سماّه مناسك المشاهد، جعل قبور المخلوقين تحجّ كما تحجّ الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس… وقد علم بالإضطرار من دين الإسلام أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد، ولا شرّع لاُمّته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين، بل هذا من دين المشركين… والله أمر في كتابه بعمارة المساجد ولم يذكر المشاهد، فالرافضة بدّلوا دين الله، فعمّروا المشاهد وعطّلوا المساجد مضاهاةً للمشركين، ومخالفةً للمؤمنين…
وأيضاً، فقد علم بالنقل المتواتر بل علم بالإضطرار من دين الإسلام أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شرّع لأُمته عمارة المساجد بالصلوات والإجتماع للصلوات الخمس، ولصلاة الجمعة والعيدين وغير ذلك، وأنه لم يشرّع لاُمّته أن يبنوا على قبر نبي ولا رجل صالح، لا من أهل البيت ولا غيرهم، لا مسجداً ولا مشهداً…»(2).
وهنا تعرّض لأهل السنّة، الذين يبنون المشاهد ويزورونها، قال: «فإن قيل: ما وصفت به الرافضة من الغلوّ والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنّة، فإن في كثير منهم غلواً في مشايخهم وإشراكاً بهم وابتداعاً لعبادات غير مشروعة، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظنّ به إمّا ليسأله حاجاته، وإمّا ليسأل الله به حاجةً، وإمّا لظنّه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد، ومنهم من يفضّل زيارة قبور شيوخهم على الحج، ومنهم من يجد عند قبر من يعظّمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت، وغير ذلك مما يوجد في الشيعة. ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة…
قيل: هذا كلّه ممّا نهى الله عنه ورسوله، وكلّ ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه، سواء كان فاعله منتسباً إلى السنّة أو إلى التشيع».
ثمّ لم يتمالك نفسه فأبدى غيظه وحقده على الشّيعة فقال: «ولكن الاُمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنّة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنّة، فما يوجد في أهل السنّة من الشرّ ففي الرافضة أكثر منه، وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنّة أكثر منه»(3).
وفي مشابهات الشيعة والنصارى قال أيضاً:
«وكذلك الغلاة في العصمة، يعرضون عمّا أمروا به من طاعة أمرهم والإقتداء بأفعالهم إلى ما نهوا عنه من الغلو والإشراك بهم، فيتخذونهم أرباباً من دون الله، يستغيثون بهم في مغيبهم وبعد مماتهم وعند قبورهم… فالمشاهد المبنيّة على قبور الأنبياء والصالحين من العامّة ومن أهل البيت كلّها من البدع المحدثة المحرّمة في دين الإسلام…»(4).
حتّى تعرّض لزيارة قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال:
«والأحاديث المأثورة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في زيارة قبره، كلّها ضعيفة بل موضوعة…»(5).
(1) منهاج السنة 1/50.
(2) منهاج السنة 1/474ـ479.
(3) منهاج السنة 1/482ـ483.
(4) منهاج السنة 2/435ـ437.
(5) منهاج السنة 2/441.