أُستاذه نصير الدين الطوسي
وقد اشتهر من بينهم: الخواجة نصير الدين الطوسي، مع أنّه لم يقرأ عليه كثيراً، قال: «قرأت عليه إلهيّات الشفا لأبي علي بن سينا، وبعض التذكرة في الهيئة تصنيفه رحمه الله، ثم أدركه الموت المحتوم»(1).
وممّا يؤكّد ذلك أنه كان عند وفاة شيخه ابن الأربع والعشرين سنة.
وقد نقل عنه في كتابه (منهاج الكرامة) طريقة استنتاج وجوب اتّباع مذهب الإمامية من الحديثين الواردين في اختلاف الامّة إلى ثلاثة وسبعين فرقة، وفي تشبيه أهل البيت بسفينة نوح.
وهذا ممّا اغتاظ منه ابن تيميّة وأتباعه، فقال ابن تيمية في حقّ النصير الطوسي ما نصّه:
«إنّ هذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملاحدة الباطنيّة الإسماعيلية بالألموت، ثمّ لمّا قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين وجاءوا إلى بغداد دار الخلافة، كان هذا منجّماً مشيراً لملك الترك المشركين هولاكو، أشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا، وأنّه استولى على الوقف الذي للمسلمين، وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من البخشية السّحرة وأمثالهم، وأنّه لما بنى الرصد الذي بمراغة على طريقة الصّابئة المشركين كان أبخس الناس نصيباً منه من كان إلى أهل الملل أقرب، وأوفرهم نصيباً من كان أبعدهم عن الملل، مثل الصابئة المشركين ومثل المعطّلة وسائر المشركين، وإن ارتزقوا بالنجوم والطب ونحو ذلك.
ومن المشهور عنه وعن أتباعه الإستهتار بواجبات الإسلام ومحرّماته، لا يحافظون على الفرائض كالصّلوات، ولا ينزعون عن محارم الله من الفواحش والخمر وغير ذلك من المنكرات، حتى أنّهم في شهر رمضان يذكر عنهم من إضاعة الصلوات وارتكاب الفواحش وشرب الخمور ما يعرفه أهل الخبرة بهم، ولم يكن لهم قوّة وظهور إلاّ مع المشركين، الذين دينهم شرٌّ من دين اليهود والنصارى.
ولهذا كان كلّما قوي الإسلام في المغل وغيرهم من الترك، ضعف أمر هؤلاء لفرط معاداتهم للإسلام وأهله…
وبالجملة، فأمر هذا الطّوسي وأتباعه عند المسلمين، أشهر وأعرف من أن يعرف ويوصف.
ومع هذا، فقد قيل: إنه كان في آخر عمره يحافظ على الصلوات الخمس ويشتغل بتفسير البغوي وبالفقه ونحو ذلك. فإن كان قد تاب من الإلحاد، فالله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات، والله تعالى يقول (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً).
لكنّ ما ذكره هذا عنه، إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله، وإن كان بعد التوبة لم يكن قد تاب من الرفض بل من الإلحاد وحده، وعلى التقديرين فلا يقبل قوله. والأظهر أنه إنما كان يجتمع به وبأمثاله لمّا كان منجّماً للمغل المشركين، والإلحاد معروف من حاله إذ ذاك.
فمن يقدح في مثل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، ويطعن على مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأتباعهم، ويعيّرهم بغلطات بعضهم في مثل إباحة الشطرنج والغناء، كيف يليق به أن يحتجّ لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أُوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويستحلّون المحرّمات المجمع على تحريمها كالفواحش والخمر في مثل شهر رمضان، الذين أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشهوات، وخرقوا سياج الشّرائع، واستخفّوا بحرمات الدين، وسلكوا غير طريق المؤمنين. فهم كما قيل فيهم:
الدين يشكو بليّةً *** من فرقة فلسفيّة
لا يشهدون صلاة *** إلاّ لأجل التقيّة
ولا ترى الشرع إلاّ *** سياسة مدنيّة
ويؤثرون عليه *** مناهجاً فلسفيّة
ولكنّ هذا حال الرافضة، دائماً يعادون أولياء الله المتّقين، من السّابقين الأوّلين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان، ويوالون الكفّار والمنافقين. فإن أعظم الناس نفاقاً في المنتسبين إلى الإسلام هم الملاحدة الباطنية الإسماعيليّة، فمن احتجّ بأقوالهم في نصرة قوله مع ما تقدّم من طعنه على أقوال أئمة المسلمين كان من أعظم الناس موالاة لأهل النفاق ومعاداةً لأهل الإيمان.
ومن العجب: أن هذا المصنّف الرافضي الخبيث الكذّاب المفتري، يذكر أبا بكر وعمر وعثمان وسائر السّابقين الأوّلين والتابعين وسائر أئمة المسلمين من أهل العلم والدين، بالعظائم التي يفتريها عليهم هو وإخوانه، ويجيء إلى من قد اشتهر عند المسلمين بمحادّته لله ورسوله فيقول: قال شيخنا الأعظم، ويقول: قدّس الله روحه، مع شهادته بالكفر عليه وعلى أمثاله، ومع لعنة طائفته لخيار المؤمنين من الأولين والآخرين، وهؤلاء داخلون في معنى قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً)»(2).
(1) أمل الآمل ـ الترجمة 904، خواجه نصير الدين محمّد بن الحسن الطوسي 2/299، بحار الأنوار، كتاب الاجازات 104/62.
(2) منهاج السنة 3/445ـ451.