ابن حجر المكي (974)
وفي فتاوى شهاب الدين ابن حجر الهيتمي المكي:
«.. وسئل نفع الله به بما لفظه: لابن تيميّة اعتراض على متأخّري الصوفية، وله خوارق في الفقه والأصول، فما محصّل ذلك؟ فأجاب بقوله: ابن تيمية عبدٌ خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه. وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الإجتهاد أبي الحسن السبكي وولد التاج والشيخ الإمام العز ابن جماعة، وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية. ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كما يأتي…»(1).
ثم قال ـ بعد أن ساق عبارات ابن تيمية و ردّها ـ في كلامه عن عقيدة أحمد:
«.. وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد، من أنه قائل بشيء من الجهة أو نحوها، فكذبٌ وبهتانٌ وافتراء عليه، فلعن الله من نسب ذلك إليه أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برّأه الله منها، وقد بيّن الحافظ الحجة القدوة الإمام أبو الفرج ابن الجوزي ـ من أئمة مذهبه المبرئين من هذه الوصمة القبيحة الشنيعة ـ : أن كلّ ما نسب إليه من ذلك كذب عليه وافتراء وبهتان، وأن نصوصه صريحة في بطلان ذلك وتنزيه الله تعالى عنه، فاعلم ذلك فإنه مهم.
وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيّم الجوزية، وغيرهما ممّن اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدّوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنّوا بذلك أنهم على هدىً من ربهم وليسوا كذلك، بل هم على أسوأ الضلال وأقبح خصال، وأبلغ المقت والخسران وأنهى الكذب والبهتان، فخذل الله متّبعهم وطهّر الأرض من أمثالهم»(2).
وقال ابن حجر المكي أيضاً، في مسألة الزيارة:
«وابن تيميّة من متأخّري الحنابلة منكر لمشروعيّة ذلك كلّه، كما رآه السبكي في خطّه، وقد أطال ابن تيمية الإستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً، وأنه لا تقصر فيه الصّلاة، وأن جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.
قلت: من هو ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟ وهل هو إلاّ كما قال جماعة، من الأئمة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة، حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته، كالعزّ ابن جماعة: عبدٌ أضلّه الله تعالى وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوّأه من قوّة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان.
ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته: التقي السبكي، قدّس الله روحه ونوّر ضريحه، للردّ عليه في تصنيف مستقل، أفاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب».
ثم قال:
هذا، وما وقع من ابن تيمية ممّا ذكر وإن كان عثرةً لا تقال أبداً، ومصيبةً يستمرّ شؤمها سرمداً، وليس بعجيب، فإنّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعائب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك على أئمّتهم سيّما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزّه سبحانه عن كلّ نقص والمستحق لكلّ كمال أنفس، فنسب إليه الكبائر والعظائم، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامّة على المنابر، من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين، حتى قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، وخمدت تلك البدع وزالت تلك الضلالات، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً، بل ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون»(3).
(1) الفتاوى الحديثية ـ اعتراض ابن تيمية على متأخري الصوفية: 114ـ115.
(2) المصدر ـ في عقيدة الإمام أحمد: 203ـ204.
(3) الجوهر المنظّم في زيارة القبر المكرّم: 12.