إطراء العلماء لنصير الدين الطوسي
واذْ تبيّن كذب دعوى سعي نصير الدين الطوسي في قتل المستعصم العبّاسي، فلا بأس بإيراد نتف من كلمات القوم في مدحه والثناء عليه والإطراء له، ليظهر أنّ ما جاء به ابن تيميّة وابن القيّم أكاذيب وافتراءات، لا تصدر من مسلم بحق أدنى المسلمين، فكيف بمثل هذا العالم المحقق الجليل!!
قال ابن كثير: «محمّد بن عبدالله الطوسي(1)، كان يقال له: المولى نصير الدين، ويقال: الخواجا نصير الدين، إشتغل في شبيبته، وحصّل علم الأوائل جيّداً، وصنّف في ذلك في علم الكلام، وشرح الإشارات لابن سينا، ووزر لأصحاب قلاع الألموت من الإسماعيليّة، ثم وزر لهولاكو، وكان معه في واقعة بغداد، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة، فالله أعلم. وعندي: إن هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل، وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه وقال: كان عاقلا فاضلا كريم الأخلاق، ودفن في مشهد موسى بن جعفر، في سرداب كان قد اعدّ للخليفة الناصر لدين الله، وهو الذي كان قد بنى الرصد بمراغة، ورتّب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلّمين والفقهاء والمحدّثين والأطباء، وغيرهم من أنواع الفضلاء، وبنى له فيه قبّة عظيمة، وجعل فيه كتباً كثيرة جدّاً.
توفي في بغداد في ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة، وله خمس وسبعون سنة. وله شعر جيّد قوي. وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيع، فنزع فيه عروق كثيرة منه حتى أفسد اعتقاده»(2).
وقال الذهبي ـ في وفيات سنة 672 ـ: «وكبير الفلاسفة، خواجا نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي، صاحب الرصد»(3).
وقال أيضاً: «وخواجا نصير الطوسي، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن حسن، مات في ذي الحجة ببغداد وقد نيّف على الثمانين، وكان رأساً في علم الأوائل، ذا منزلة من هولاكو»(4).
وقال أبو الفداء: «وفيها ـ في يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة ـ توفّي الشيخ العلامة نصير الدين الطوسي، واسمه; محمّد بن محمّد بن الحسين(5)، الإمام المشهور، وكان يخدم صاحب الألموت، ثمّ خدم هولاكو، وحظي عنده، وعمل لهولاكو رصداً بمراغة، وزيجاً، وله مصنّفات عديدة كلّها نفيسة، منها: إقليدس، يتضمّن اختلاط الأوضاع، وكذلك المجسطي، وتذكرة في الهيئة لم يصنّف في فنّها مثلها، وشرح الإشارات، وأجاب عن غالب إيرادات فخر الدين الرازي، وكانت ولادته في حادي عشر جمادى الاُولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وكانت وفاته ببغداد، ودفن في مشهد موسى الجواد(6)»(7).
وقال الصفدي: «الخواجا نصير الدين طوسي: محمّد بن محمّد بن الحسن، نصير الدين أبو عبدالله الطوسي، الفيلسوف، صاحب علم الرياضي والرصد، كان رأساً في علم الأوائل، لا سيّما في الأرصاد والمجسطي، فإنّه فاق الكبار، قرأ على المعين سالم بن بدران المصري المعتزلي الرافضي وغيره، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو، وكان يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه، فابتنى بمدينة مراغة رصداً عظيماً، واتّخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نهبت من: بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلّد، وقرّر بالرصد المنجّمين والفلاسفة والفضلاء، وجعل لهم الجامكية، وكان حسن الصورة، سمحاً، كريماً، جواداً، حليماً، حسن العشرة، غزير الفضائل، جليل القدر، داهية.
حكى لي أنّه لمّآ أراد العمل للرصد رأى هولاكو ما ينصرف عليه، فقال له: هذا العلم المتعلّق بالنجوم ما فائدته؟ أيدفع ما قدّر أن يكون؟ فقال: أنا أضرب لمنفعته مثالا: القان يأمر من يطلع إلى أعلى هذا المكان ويدعه يرمي من أعلاه طست نحاس كبيراً من غير أن يعلم به أحد، ففعل ذلك، فلما وقع ذلك كانت له وقعة عظيمة هائلة، روّعت كلّ من هناك وكاد بعضهم يصعق، وأمّا هو وهولاكو فإنّهما ما تغيّر عليهما شيء، لعلمهما بأنّ ذلك يقع، فقال له: هذا العلم النجومي له هذه الفائدة، يعلم المتحدث فيه ما يحدث فلا يحصل له من الروعة والاكتراث ما يحصل للذاهل الغافل عنه. فقال: لا بأس بهذا. وأمره بالشروع فيه أو كما قيل.
ومن دهائه ما حكى لي أنه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان فيما أظُنّ، فأمر بقتله، فجاء أخوه إليه وذكر له ذلك وطلب منه ابطال ذلك، فقال: هذا القان وهؤلاء القوم إذا أمروا بأمر ما يمكن ردّه، خصوصاً إذا برز إلى الخارج، فقال له: لابدّ من الحيلة في ذلك، فتوجّه إلى هولاكو (فذكر القصّة وحاصلها أمر هولاكو بإطلاق جميع من في الإعتقال والعفو عمّن له جناية) وأطلق صاحب الديوان في جملة الناس، ولم يذكره النصير الطوسي. وهذا غاية في الدهاء، بلغ به مقصده ودفع عن الناس أذاهم وعن بعضهم ازهاق أرواحهم.
ومن حلمه ما وقفت له على أنّ ورقةً حضرت إليه من شخص، من جملة ما فيها يقول له: يا كلب يا ابن الكلب. فكان الجواب: وأمّا قوله كذا، فليس بصحيح، لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار، وأنا فمنتصب القامة، بادي البشرة، عريض الأظفار، ناطق ضاحك. فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص. وأطال في نقض كلّ ما قاله. هكذا برطوبة وتأنّ غير منزعج، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة…
ومن تصانيفه…
وقال الشمس ابن المؤيد العرضي: أخذ النصير العلم عن الشيخ كمال الدين ابن يونس الموصلي، ومعين الدين سالم بن بدران المصري المعتزلي وغيرهما قال: وكان منجّماً لأبغا بعد أبيه وكان يعمل الوزارة لهولاكو من غير أن يدخل يده في الأموال… وولاّه هولاكو جميع الأوقاف في سائر بلاده، وكان له في كلّ بلد نائب يستغل الأوقاف ويأخذ عشرها ويحمل إليه ليصرفه في جامكيات المقيمين بالرصد، ولما يحتاج إليه من الأعمال بسبب الأرصاد.
وكان للمسلمين به نفع، خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم، وكان يبرّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقافهم، وكان ـ مع هذا كلّه ـ فيه تواضع وحسن ملتقى.
وقال شمس الدين الجزري قال حسن بن أحمد الحكيم صاحبنا: سافرت إلى مراغة وتفرّجت في هذا الرصد، ومتولّيه صدر الدين علي بن الخواجا نصير الدين الطوسي، وكان شابّاً فاضلا في التنجيم والشعر بالفارسية، وصادفت شمس الدين محمّد ابن المؤيد العرضي، وشمس الدين الشرواني، والشيخ كمال الدين الإيكي، وحسام الدين الشامي، فرأيت فيه من آلات الرصد شيئاً كثيراً…
وكان النصير قد قدم من مراغة إلى بغداد ومعه جماعة كثيرة من تلامذته وأصحابه، فأقام بها مدّة أشهر ومات…
ومولد النصير بطوس سنة 597، وتوفي في ذي الحجة سنة: 672 ببغداد، وَقد نيَّف على الثمانين أو قاربها، وشيّعه صاحب الديوان والكبار، وكانت جنازة حفلة، ودفن في مشهد الكاظم»(8).
وقال ابن شاكر آخذاً من الصفدي «نصير الدين الطوسي، محمّد بن محمّد ابن الحسن، نصير الدين، الطوسي، الفيلسوف، صاحب علوم الرياضي، كان رأساً في علم الأوائل لا سيّما في الأرصاد والمجسطي، فإنه فاق الكبار، قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو، وكان يطيعه فيما يشير به عليه، والأموال في تصريفه، فابتنى بمراغة قبّة وَ رصداً عظيماً، واتّخذ في ذلك خزانةً عظيمة فسيحة الأرجاء، وملأها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمّع فيها زيادةً على أربع مائة ألف مجلّد، وقرّر بالرّصد المنجّمين والفلاسفة، وجعل له الأوقاف. وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل…» فذكر قصّة إلقاء الطست، وقصّة علاء الدين الجويني، وقصة الورقة التي حضرت إليه وفيها سبّه…
ثم ذكر تصانيفه… وكلام الشمس ابن المؤيد العرضي، وكلام شمس الدين الجزري…
ثمّ ذكر وفاته ومولده… قال: «ودفن في مشهد الكاظم. رحمه الله تعالى، آمين»(9).
وذكره ابن تغري بردى في وفيات سنة 672(10).
وكذا غير هؤلاء من المؤرّخين… ولا نطيل بإيراد كلماتهم في الثناء الجميل عليه.
(1) كذا، وهو سهو.
(2) البداية والنهاية حوادث السنة 672، النصير الطوسي 13: 313.
(3) تذكرة الحفاظ الترجمة 1171 علي بن عبد الكافي 4: 1491.
(4) العبر في خبر من غبر السنة 672، 2: 301.
(5) كذا، وهو سهو.
(6) كذا، والصحيح: موسى والجواد.
(7) المختصر في أخبار البشر 4/8.
(8) الوافي بالوفيات ـ الترجمة 114 الخواجا نصير الدين الطوسي ـ 1/147ـ151.
(9) فوات الوفيات ـ الترجمة 414 نصير الدين الطوسي ـ 3/246ـ252.
(10) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ـ سنة اثنتين وسبعين وستمائة ـ 7/212.