ونستعرض في هذا الباب ما جاء في (منهاج) ابن تيميّة حول أميرالمؤمنين وأهل البيت عليهم آلاف الصلاة والتحيّة، لنعرف مدى صحّة ما ذكروه من نسبة ابن تيمية إلى النّصب والنفاق والعِداء لهم!
قال الحافظ ابن حجر بترجمته: «وافترق الناس فيه شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم.. ومنهم من ينسبه إلى الزندقة… ومنهم من ينسبه إلى النفاق، لقوله في علي ما تقدم ولقوله: إنه كان مخذولا حيث ما توجّه، وإنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة وإن عثمان كان يحبّ المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعلي أسلم صبياً والصبي لا يصح إسلامه على قول، وبكلامه في قصة خِطبة بنت أبي جهل ومات وما نسبها من الثناء…(1) وقصة أبي العاص بن الربيع وما يؤخذ من مفهومها، فإنه شنّع في ذلك.
فألزموه بالنفاق لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ولا يبغضك إلاّ منافق»(2).
ومن درس كتاب (منهاج السنّة) وَجَدَه يطعن ويقدح في جميع شئون أميرالمؤمنين عليه السّلام، وينكر فضائله ومناقبه كلّها، مِن إسلامه، ومن صفاته النفسانيّة كالعلم والعدالة والشجاعة والزّهد، ومن فضائله ومناقبه الواردة في الصّحاح والسنن وغيرها من كتب أهل السنّة، وحتى في إمامته وخلافته بعد عثمان!! بل يكذب عليه، ويطعن فيه، وينال منه…!!
ولكن في كلماته تناقضات لا تحصى…
وهذه جملة من كلماته نذكرها في فصول تحتها عناوين:
1 ـ حول إسلامه وجهاده
إسلامه وصلاته قبل الناس
إن علياً عليه السلام أوّل من أسلم، بالأدلّة الثابتة عند الفريقين، وهذا ممّا اعترف به كبار الأئمة المتقدّمين على ابن تيمية والمتأخرين عنه(3)، وهذه فضيلة لم يشركه فيها أحد.
ويريد ابن تيميّة إنكار هذه الفضيلة، لكنّه يضطرب!! فنحن نورد كلماته في المسألة وعليك أن تقارن بينها:
يقول: «قول علي: صلّيت ستة أشهر قبل الناس، فهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة، فإن بين إسلامه وإسلام زيد وأبي بكر وخديجة يوماً أو نحوه، فكيف يصلّي قبل الناس بستّة أشهر»(4).
فهنا يعترف بإسلامه قبل أبي بكر، ولا ينقل قولا على الخلاف.
وفي موضع آخر يشكك في ذلك ويقول: «وتنازعوا في أوّل من نطق بالإسلام بعد خديجة، فإن كان أبو بكر أسلم قبل علي، فقد ثبت أنه أسبق صحبةً كما كان أسبق إيماناً. وإن كان علي أسلم قبله، فلا ريب أن صحبة أبي بكر للنبي صلّى الله عليه وسلّم كانت أكمل وأنفع له من صحبة علي ونحوه»(5).
فيردّد الأمر ـ مع التصريح بدعوى كون إسلامه بعد خديجة ـ ثم يفضّل إسلام أبي بكر على كلّ تقدير.
وفي موضع ثالث ينسب القول بتقدّم إسلام أبي بكر إلى أكثر الناس، فيقول: «قول القائل: علي أوّل من صلّى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ممنوع، بل أكثر الناس على خلاف ذلك، وأن أبا بكر صلّى قبله»(6).
فلاحِظ كيف يضطرب!
ومما يبيّن شدّة اضطرابه وقوّة نصبه وعدائه: تشكيكه في أصل قبول إسلام الإمام عليه السّلام، إنّه يقول:
«قوله: وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة. ممنوع، فإنّ الناس متنازعون في أوّل من أسلم، فقيل: أبو بكر أوّل من أسلم، فهو أسبق إسلاماً من علي، وقيل: إن عليّاً أسلم قبله، لكن علي كان صغيراً وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء، ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وأنفع، فيكون هو أكمل سبقاً بالإتّفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر. فكيف يقال: علي أسبق منه بلا حجة تدل على ذلك»(7).
ولا يكتفي ابن تيمية بهذا القدر، بل يحاول إثبات كفر علي عليه السّلام قبل إسلامه، والتشكيك في إسلامه وهو غير بالغ، انظر إلى كلامه:
«قبل أن يبعث الله محمّداً صلّى الله عليه وسلّم لم يكن أحد مؤمناً من قريش، لا رجل ولا صبي ولا امرأة، ولا الثلاثة ولا علي!
وإذا قيل عن الرجال: إنهم كانوا يعبدون الأصنام.
فالصبيان كذلك، علي وغيره!!
وإن قيل: كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ.
قيل: ولا إيمان الصبي مثل ايمان البالغ.
فأولئك يثبت لهم حكم الإيمان والكفر وهم بالغون، وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ.
والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتّفاق المسلمين، وإذا أسلم قبل البلوغ فهل يجري عليه حكم الإسلام قبل البلوغ؟ على قولين للعلماء.
بخلاف البالغ فإنّه يصير مسلماً باتّفاق المسلمين.
فكان إسلام الثلاثة مخرجاً لهم من الكفر باتّفاق المسلمين. وأما إسلام علي فهل يكون مخرجاً له من الكفر؟ على قولين مشهورين، ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر»(8).
(1) هنا بياض!!
(2) الدرر الكامنة ـ الترجمة 409، أحمد بن عبد الحليم ـ 1/155.
(3) تقدم بعض ما يدل عليه وسنفصّل الكلام فيه في (الشرح).
(4) منهاج السنة 5/19.
(5) منهاج السنة 8/389.
(6) منهاج السنة 7/273.
(7) منهاج السنة 7/155.
(8) منهاج السنة 8/285ـ286.