أقوال ابن تيميّة في التجسيم
وبعد… فقد اشتهرت عن ابن تيميّة أقوال بالتجسيم، وإن حاول بعض المؤرخين التكتّم على ذلك:
كابن تغري بردى الذي قال: «وكان سجن بقلعة دمشق لاُمور حكيناها في غير هذا المكان»(1).
وقال الصفدي: «طلب إلى مصر أيام ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له مجلس في مقالة قال بها»(2).
لكنّ ابن الوردي كشف النقاب عن ذلك بقوله: «استدعي الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية من دمشق إلى مصر، وعقد له مجلس، واعتقل بما نسب إليه من التجسيم»(3).
وقال الزرقاني في وصف عمامة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وسبب جعله لها ذؤابة: «وذكر ابن تيميّة أنه صلّى الله عليه وسلّم لمّآ رأى ربّه واضعاً يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة» قال: «لكن قال العراقي بعد أن ذكره: لم نجد لذلك أصلا» وقال: «قال المكي على الشمائل: هذا من ضلال ابن القيّم وشيخه ابن تيمية، إذ هو مبني على مذهبهما من إثبات الجهة والجسمية. قال المناوي: أمّا كونهما من المبتدعة فمسلَّم، وأمّا كون هذا بخصوصه بنياه على التجسيم فلا…»(4).
وجاء عند ابن حجر الحافظ بترجمته: «… فذكروا أنّه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال: كنزولي هذا. فنسب إلى التجسيم»(5).
لكنّ ابن بطوطة يشرح لنا القصّة كما شاهدها، فيقول:
«وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيميّة، كبير الشام، يتكلّم في الفنون إلاّ أن في عقله شيئاً… وكنت إذ ذاك بدمشق، فحضرته يوم الجمعة ـ وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ـ فكان من جملة كلامه أن قال: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر. فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به. فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً، حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها، واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة، فأمر بسجنه وعزّره بعد ذلك. فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره، ورفعوا الأمر إلى ملك الامراء سيف الدين تنكيز، وكان من خيار الامراء وصلحائهم، فكتب إلى الملك الناصر بذلك وكتب عقداً شرعياً على ابن تيمية باُمور منكرة، منها: إن المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلاّ طلقة واحدة. ومنها: المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف ـ زاده الله طيباً ـ لا يقصّر الصلاة. وسوى ذلك ما يشبهه. وبعث العقد إلى الملك الناصر، فأمر بسجن ابن تيمية بالقلعة، فسجن بها حتى مات في السجن»(6).
هذا، وكلام ابن تيمية في التجسيم يتقسم على أربعة أبعاد، وهي كما يلي:(7)
1 ـ إسناد المكان والجهة إلى الله تعالى.
2 ـ زعمه أن الحوادث تقوم بالله سبحانه.
3 ـ زعمه أنّ كلام الله تعالى بصوت وحرف.
4 ـ كلامه في مسألة الجسم.
(1) النجوم الزاهرة السنة تاسعة عشرة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر، 9: 196.
(2) الوافي بالوفيات الترجمة 619، العلاّمة تقي الدين ابن تيميّة، 7: 14.
(3) تتمة المختصر سنة 705، 2: 363.
(4) شرح المواهب اللدنيّة 5/12.
(5) الدرر الكامنة ـ الترجمة 409، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام 1/154.
(6) رحلة ابن بطوطة 1/57ـ58.
(7) رجعنا إلى كتبه الاُخرى أيضاً في هذه المباحث لأهميّتها.