آراء تلامذة ابن تيمية في هذه القضية
وكان من المناسب أن نرجع إلى تلامذة ابن تيميّة، لننظر هل يوافقونه على اتّهام نصير الدين الطوسي في قتل المستعصم العباسي:
فرجعنا إلى الذهبي وابن كثير وابن قيّم الجوزيّة…
أمّا الذهبي فقد تقدمت عبارته عن (العبر)، ووجدناه لا يشير لا من قريب ولا من بعيد، بارتباط الطوسي بقتل الخليفة.
وكذلك بترجمة المستعصم من (سير أعلام النبلاء) حيث ذكر الوقعة ناقلا شرحها عن جمال الدين سليمان بن رطلين الحنبلي، والظهير الكازروني وغيرهما، وليس في ذلك ذكر لنصير الدين الطوسي أصلا(1).
وأمّا ابن كثير المولود سنة: 700 والمتوفّى سنة: 774، فترجم لنصير الدين الطوسي، ولم ينسبه إلى شيء ممّا نسبه ابن تيميّة إليه من الإخلال بالصلوات، وشرب الخمر، وارتكاب الفواحش…!! وإنّما ذكر ما نسب إليه من الإشارة على هولاكو بقتل الخليفة، بعبارة ظاهرة جدّاً في التشكيك بذلك، وهذا نصّها:
«ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة، فالله أعلم» فكلمة «من الناس» بإبهام القائل، وليس سوى ابن تيمية!! وكلمة «يزعم» ثم كلمة «فالله اعلم»… تفيد عدم موافقته لشيخه فيما زعمه، ثم إنه أفصح عن رأيه حيث عقّب ذلك بقوله: «وعندي أن هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل، وقد ذكره بعض البغاددة فأنثى عليه وقال: كان عاقلا فاضلا كريم الأخلاق، ودفن في مشهد موسى بن جعفر، في سرداب كان قد اُعدّ للخليفة الناصر لدين الله»(2).
وأمّا ابن قيّم الجوزيّة… فقد تبع شيخه ابن تيمية وزاد عليه أشياء وأفرط كما هو دأبه في أكثر المسائل والقضايا!! فقال:
«نصير الشرك والكفر والملحد، وزير الملاحدة، النصير الطوسي، وزير هولاكو، شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف، حتى شفا إخوانه من الملاحدة واشتفى هو، فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدّثين، واستبقى الفلاسفة والمنجّمين والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم وجعلهم خاصّته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الرب جلّ جلاله، من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره… واتّخذ للملاحدة مدارس، ورام جعل (إشارات) إمام الملحدين ابن سينا مكان (القرآن) فلم يقدر على ذلك، فقال: هي قرآن الخواص وذاك قرآن العوام، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر، وتعلّم السحر في آخر الأمر فكان ساحراً يعبد الأصنام»!!(3)
(1) سير أعلام النبلاء الترجمة 109، المستعصم بالله، 23: 181.
(2) البداية والنهاية حوادث سنة 672، النصير الطوسي 13: 313.
(3) اغاثة اللهفان ـ النصير الطوسي وزير هولاكو نصير الشرك والكفر 2/263.