6 ـ عاقبة الأمر.
وكان عاقبة الأمر أن قُتل الزبير بعد أن اعتزل الحرب لمّا ذكّره الإمام عليه السلام بما قال له النبيّ صلّى اللّه عليه وآله، على يد ابن جرموز.
فهلاّ أرجع عائشة إلى بيتها الذي أخرجها منه؟!
وكيف لم يخبرها بالحقّ الذي ذكّر به عسى أن تكفّ هي أيضاً عن المقاتلة، فلا يكون مزيد هتك وسفك دم؟!
وأمّا طلحة، فإنّه بعدما بعث إليه عليّ أن ألقني، فلقيه، قال له: أنشدك اللّه، أسمعت رسول اللّه يقول: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه؟!
قال: نعم.
فقال له: فلمَ تقاتلني؟!
وقال الطبري: قال له: يا طلحة! جئت بعرس رسول اللّه تقاتل بها وخبّأت عرسك في بيتك؟! أما بايعتني؟….
واشتبكت الحرب، قال مروان: لا أطلب بثاري بعد اليوم. ثمّ رماه بسهم فقتله وهو يقول: واللّه إنّ دم عثمان عند هذا، هو كان أشدّ الناس عليه، وما أطلب أثراً بعد عين. ثمّ التفت إلى أبان بن عثمان ـ وهو معه ـ فقال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك. وكان طلحة أوّل قتيل….
فهلاّ أرجعوا عائشة إلى بيت خدرها؟!
وهلاّ رجعت هي بعد أن فقد الجيش الأميرين القائدين: طلحة والزبير، وقبل أن يقتل الآلاف من أُولئك الأراذل الأجلاف؟!
كلام ابن تيمية:
وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام ابن تيمية؛ إذ يدّعي تارةً أنّها خرجت «بقصد الإصلاح بين المسلمين»، وأُخرى يزعم: أنّها اجتهدت «وإذا كان المجتهد مخطئاً فالخطأ مغفور بالكتاب والسُنّة»، وثالثة يقول: إنّها ندمت على خروجها «فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتّى تبلّ خمارها»….
وقلّده في ذلك أنصار الناكثين!!
أقول:
إن كانت تقصد الإصلاح بين المسلمين، فإنّ الإصلاح فرع النزاع والخلاف، وهل كان بين عليّ أمير المؤمنين وبين طلحة والزبير نزاع على شيء، أم أنّهما بايعاه ثمّ خرجا إلى مكّة ناكثين للبيعة وناقضين للعهد؟!
وأيضاً: إن كانت تقصد الإصلاح بين المسلمين، فهل كان يكون الإصلاح في البصرة حتّى تخرج إليها في ملأ من الناس؟!
وأيضاً: إن كانت تقصد الإصلاح، فلماذا ينهاها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟ وتنهاها أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين؟ وينهاها رجال المسلمين؟ وهلاّ خرجوا معها وساعدوها على الإصلاح؟!
وإن كانت مجتهدةً مخطئة في اجتهادها فلا ذنب، بل لها أجر وإن كان أقلّ من أجرها فيما لو كانت مصيبة، فلماذا الندم والبكاء؟!
لكنّ الرجل عندما ادّعى أنّها خرجت «بقصد الإصلاح»، وأنّها كانت «راكبةً، لا قاتلت ولا أمرت بالقتال» قال: «هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار»!!
كأنّ الرجل يعلم بكذب ما يقول فيخرج عن عهدته بنسبته إلى غيره!!
نعم، خرجت في ملأ من الناس تقاتل عليّاً عليه السلام على غير ذنب، وقول ابن تيمية: «هذا كذب عليها، فإنّها لم تخرج لقصد القتال» هو الكذب؛ وإلاّ فما معنى: «نسير إلى عليّ فنقاتله»؟!
وأيّ معنىً لِما كتبته إلى زيد بن صوحان؟ ولِما جاء في كتابها إلى حفصة؟!
ثمّ، ألم تأمر بقتل عثمان بن حنيف بعد الغدر به؟!
ألم تأمر بقتل السبابجة من غير ذنب؟!
ألم تحرّض الأزد وبني ضبّة وسائر القبائل على القتال؟!
وهل كان بكاؤها بعد ذلك عن ندم أو لخيبة أمل؟!
أليست هي التي فرحت بمقتل الإمام عليه السلام وتمثّلت قائلةً:
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى *** كما قرّ عيناً بالإياب المسافر
ولنكتف بهذا القدر، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب الحديث والتاريخ(1).
قيل:
«أمّا استدلال الموسوي على كره عائشة لعليّ بحديث البخاري… والجواب على ذلك: إنّ البخاري له شروط دقيقة وشديدة… ولا حجّة في تخريج ابن سعد لها… ففي سندها: يونس بن يزيد… وفي سندها أيضاً: معمر بن راشد…».
(1) تاريخ الطبري 5 : 150، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 3 : 40، شرح نهج البلاغة، ومصادر أُخرى.