5 ـ بعض ما كان بالبصرة قبل الحرب.
قالوا: لمّا قدمت عائشة البصرة، كتبت إلى زيد بن صوحان: من عائشة ابنة أبي بكر أُمّ المؤمنين حبيبة رسول اللّه، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أمّا بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فأقدم وانصرنا على أمرنا هذا، فإن لم تفعل فخذّل عن عليّ.
فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر حبيبة رسول اللّه، أمّا بعد، فإنّي ابنك الخالص إن اعتزلتِ هذا الأمر ورجعتِ إلى بيتكِ، وإلاّ فأنا أوّل من نابذك.
قال زيد بن صوحان: رحم اللّه أُمّ المؤمنين، أُمرت أن تلزم بيتها وأُمرنا أن نقاتل، فتركت ما أُمرت به وأمرتنا به، وصنعت ما أُمرنا به ونهتنا عنه.
ثمّ إنّها كتبت إلى حفصة بنت عمر: أمّا بعد، فإنّي أُخبرك أنّ عليّاً قد نزل ذاقار وأقام بها مرعوباً خائفاً لِما بلغه من عدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر إن تقدّم عقر، وإن تأخّر نحر!
فدعت حفصة جواري لها يتغنّين ويضربن بالدفوف، فأمرتهنّ أن يقلن في غنائهنّ: ما الخبر ما الخبر؟ عليٌّ في السفر، كالفرس الأشقر، إن تقدّم عقر، وإن تأخّر نحر.
وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء، فبلغ أُمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام، فلبست جلابيبها ودخلت عليهنّ في نسوة متنكّرات، ثمّ أسفرت عن وجهها، فلمّا عرفتها حفصة خجلت واسترجعت، فقالت أُمّ كلثوم: لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل، فأنزل اللّه فيكما ما أنزل.
فقالت حفصة: كُفّي رحمك اللّه.
وأمرت بالكتاب فمزّق، واستغفرت اللّه.
قال الطبري: فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف، فقال لهم عثمان: ما نقمتم على صاحبكم؟
فقالوا: لم نره أولى بها منّا، وقد صنع ما صنع.
قال: فإنّ الرجل أمّرني، فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له، على أن أُصلّي بالناس حتّى يأتينا كتابه(1).
فوقفوا عليه وكتب.
فلمّا استوثق لطلحة والزبير أمرهما، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما، قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر، وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأُقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان ليصلّي بهم، فأخّره أصحاب طلحة والزبير وقدّموا الزبير، فجاءت السبابجة ـ وهم الشرط حرس بيت المال ـ فأخّروا الزبير وقدّموا عثمان، فغلبهم أصحاب الزبير فقدّموا الزبير وأخّروا عثمان.
فلم يزالوا كذلك حتّى كادت الشمس أن تطلع، وصاح بهم أهل المسجد: ألا تتّقون اللّه يا أصحاب محمّد وقد طلعت الشمس؟!
فغلب الزبير فصلّى بالناس. فلمّا انصرف من صلاته صاح بأصحابه المتسلّحين: أن خذوا عثمان بن حنيف.
فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفيهما، فلمّا أُسر ضُرِب ضرب الموت، ونُتف حاجباه وأشفار عينيه، وكلّ شعرة في رأسه ووجهه، وأخذوا السبابجة ـ وهم سبعون رجلاً ـ فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة، فقالت لأبان بن عثمان: اخرج إليه فاضرب عنقه؛ فإنّ الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله.
فنادى عثمان: يا عائشة! ويا طلحة! ويا زبير! إنّ أخي سهل بن حنيف خليفة عليّ بن أبي طالب على المدينة، وأقسم باللّه إن قتلتموني ليضعنّ السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم، فلا يبقي منكم أحداً.
فكفّوا عنه وخافوا أن يوقع سهل بن حنيف بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة، فتركوه.
وأرسلت عائشة إلى الزبير: أن اقتل السبابجة….
فذبحهم ـ واللّه ـ الزبير كما يذبح الغنم….
وكان الغدر بعثمان بن حنيف أوّل غدر كان في الإسلام….
(1) تاريخ الطبري 4 : 469، (حوادث سنة 36).