3 ـ أمر النبي بقتل المارق
قال السيد:
حسبك ممّا تلتمسه ما أخرجه جماعة من أعلام الأُمة وحفظة الأئمة، واللفظ للإمام أحمد بن حنبل في ص 390 ج 3 من مسنده من حديث أبي سعيد الخدري، قال:
إن أبا بكر جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال: يا رسول اللّه إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلّي، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: إذهب إليه فاقتله، قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحال، كره أن يقتله، فرجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. قال: فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمر: إذهب فاقتله، فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر عليها، قال: فكره أن يقتله، قال: فرجع فقال: يا رسول اللّه إني رأيته يصلّي متخشعاً فكرهت أن أقتله. قال: يا علي إذهب فاقتله، قال: فذهب علي فلم يره، فرجع علي فقال: يا رسول اللّه إنّي لم أره، قال: فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم هم شر البرية. اهـ.
وأخرج أبو يعلى في مسنده(1) ـ كما في ترجمة ذي الثدية من إصابة ابن حجر ـ عن أنس، قال: كان في عهد رسول اللّه رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، وقد ذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم باسمه فلم يعرفه، فوصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا: هو هذا، قال: إنكم لتخبروني عن رجل إن في وجهه لسفعة من الشيطان، فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلّم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: انشدك اللّه هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ قال: اللهم نعم، ثم دخل يصلّي، فقال رسول اللّه: مَن يقتل الرجل؟ فقال أبو بكر: أنا، فدخل عليه فوجده يصلّي، فقال: سبحان اللّه أقتل رجلاً يصلّي، فخرج، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: ما فعلت؟ قال: كرهت أن أقتله وهو يصلّي، وأنت قد نهيت عن قتل المصلّين، قال: مَن يقتل الرجل؟ قال عمر: أنا، فدخل فوجده واضعاً جبهته، فقال عمر: أبو بكر أفضل منّي، فخرج، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: مهيم؟ قال: وجدته واضعاً جبهته للّه فكرهت أن أقتله، فقال: مَن يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا، فقال: أنت إن أدركته، فدخل عليه، فوجده قد خرج، فرجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: مهيم؟ قال: وجدته قد خرج، قال: لو قُتل ما اختلف من امتي رجلان، الحديث.
وأخرجه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من تفاسير يعقوب بن سفيان، ومقاتل بن سليمان، ويوسف القطان، والقاسم بن سلاّم، ومقاتل بن حيان، وعلي بن حرب، والسدي، ومجاهد، وقتادة، ووكيع، وابن جريج، وأرسله إرسال المسلمات جماعة من الثقات كالإمام شهاب الدين أحمد ـ المعروف بابن عبدربّه الأندلسي ـ عند انتهائه إلى القول في أصحاب الأهواء من الجزء الأول من عقده الفريد، وقد جاء في آخر ما حكاه في هذه القضية: إن النبي قال: إن هذا لأول قرن يطلع في امتي، لو قتلتموه ما اختلف بعده اثنان. إن بني اسرائيل افترقت اثنين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثاً وسبعين فرقة كلّها في النار إلا فرقة(2). اهـ.
وقريب من هذه القضية ما أخرجه أصحاب السنن(3) عن علي، قال:
جاء النبي أناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا جيرانك وحلفاؤك، وإن ناساً من عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا. فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم جيرانك، قال: فتغيّر وجه النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغيّر وجه النبي فقال: يا معشر قريش، واللّه ليبعثن اللّه عليكم رجلاً قد امتحن اللّه قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين. فقال أبو بكر: أنا يا رسول اللّه؟ قال: لا، قال عمر: أنا يا رسول اللّه؟ قال: لا، ولكنه الذي يخصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها(4).
(1) مسند أبي يعلى 6 : 340 / 3668.
(2) فرقة وشيعة لفظان ـ بحساب الجمل ـ مترادفان، لأن كلاًّ منهما 385 وهذا مما تتفأل به عوام تلك الفرقة.
(3) كالامام أحمد في أواخر ص 251 من الجزء الأول من مسنده، وسعيد بن منصور في سننه، وابن جرير في تهذيب الآثار، وصححه، ونقله عنهم جميعاً المتقي الهندي في ص 127 من الجزء الثالث عشر من كنز العمال.
(4) المراجعات: 261 ـ 263.