احتجاج الزهراء
وللزهراء عليها السلام حجج بالغة، وخطبتاها في ذلك سائرتان، كان أهل البيت يلزمون أولادهم بحفظهما كما يلزمونهم بحفظ القرآن، وقد تناولت اولئك الذين نقلوا البناء عن رصّ أساسه فبنوه في غير موضعه، فقالت: ويحهم أنّى زحزحوها ـ أي الخلافة ـ عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، الطبن(1)بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا واللّه منه نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات اللّه، وتاللّه لو تكافأوا(2) على زمام نبذه إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لاعتقله وسار بهم سيراً سجحاً، لا يكلم خشاشه، ولا يتتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً رويّاً فضفاضاً(3) تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً(4)، ونصح لهم سرّاً وإعلاناً، غير متحل منهم بطائل إلاّ بغمر الناهل(5)، وردعة سورة الساغب(6)، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم اللّه بما كانوا يكسبون، ألا هلمّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث، إلى أي لجأ لجأوا، وبأي عروة تمسّكوا، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلاً، استبدلوا واللّه الذنابا بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ويحهم (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) إلى آخر الخطبة(7)، وهي نموذج كلام العترة الطاهرة في هذا الموضوع.
وعلى هذه فقس ما سواها.
(1) الخبير.
(2) التكافؤ: التساوي، والزمام الذي نبذه إليه رسول إليه ـ أي القاه اللّه ـ انما هو زمام الأمة في امور دينها ودنياها، والمعنى انهم لو تساووا جميعاً في الانقياد بذلك الزمام، والاستسلام إلى ذلك القائد العام، لاعتقله أي وضعه بين ركابه وساقه، كما يعتقل الرمح، وسار بهم سيراً سجحاً أي سهلا لا يكلم خشاشه أي لا يجرح انف البعير: والخشاش عود يجعل في انف البعير يشد به الزمام ولا يتتعتع راكبه أي لا يصيبه اذى.
(3) أي يفيض منه الماء.
(4) أي شبعانين.
(5) أي ري الظمآن.
(6) أي كسر شدة الجوع.
(7) أخرجها أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك، عن محمد بن زكريا، عن محمد بن عبدالرحمن المهلبي، عن عبداللّه بن حماد بن سليمان عن أبيه، عن عبداللّه بن الحسن ابن الحسن عن أُمّه فاطمة بنت الحسين، مرفوعة إلى الزهراء عليها السلام، ورواها الامام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المتوفى سنة 280 في ص 37 من كتابه ـ بلاغات النساء ـ من طريق هارون بن مسلم بن سعدان، عن الحسن بن علوان عن عطية العوفي الذي روى هذه الخطبة عن عبداللّه بن الحسن بن الحسن عن أُمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها الزهراء عليها السلام، وأصحابنا يروون هذه الخطبة عن سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي، عن الزهراء عليها السلام. وقد أوردها الطبرسي في كتاب الإحتجاج، والمجلسي في بحار الأنوار، ورواها غير واحد من الأثبات الثقات.