احتجاج ابن عباس
احتجاج الحسن والحسين
احتجاج أبطال الشيعة من الصحابة
الاشارة إلى احتجاجهم بالوصية
* ألفتكم إلى محاورة ابن عباس وعمر، إذ قال عمر ـ في حديث طويل دار بينهما ـ: يابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟ قال ابن عباس: فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا على قومكم بجحاً بجحاً(1)، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، (قال): فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب، تكلّمت، قال: تكلم (قال ابن عباس): فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشاً اختارت لنفسها من حين اختار اللّه لها، لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأمّا قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن اللّه عز وجل وصف قوماً بالكراهة، فقال: (ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم) فقال عمر: هيهات يابن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني. فقلت ما هي يا أمير المؤمنين؟ فان كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه، فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنا حسداً وبغياً وظلماً. (قال) فقلت: أمّا قولك يا أمير المؤمنين ظلماً، فقد تبين للجاهل والحليم، وأمّا قولك حسداً، فإن آدم حسد ونحن ولده المحسودون، فقال عمر: هيهات هيهات، أبت واللّه قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسداً لا يزول. (قال) فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، الحديث(2).
* وحاوره مرة أُخرى، فقال له في حديث آخر: كيف خلّفت ابن عمك؟ قال: فظننته يعني عبداللّه بن جعفر، قال: فقلت: خلّفته مع أترابه، قال: لم أعن ذلك، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت، قال: قلت: خلّفته يمتح بالغرب وهو يقرأ القرآن. قال: يا عبداللّه، عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قال: قلت: نعم. قال: أيزعم أن رسول اللّه نص عليه. قال ابن عباس: قلت: وأزيدك، سألت أبي عمّا يدّعي ـ من نص رسول اللّه عليه بالخلافة ـ فقال: صدق، فقال عمر: كان من رسول اللّه في أمره ذرو(3) من قول لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع(4) في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعته من ذلك، الحديث(5).
* وتحاورا مرّة ثالثة فقال: يابن عباس، ما أرى صاحبك إلاّ مظلوماً، فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته (قال) فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته، فقال: يابن عباس، ما أظنهم منعهم عنه إلاّ أنه استصغره قومه، قال: فقلت له: واللّه ما استصغره اللّه ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك، قال: فأعرض عني وأسرع، فرجعت عنه(6).
وكم لحبر الأُمة ولسان الهاشميين وابن عمّ رسول اللّه عبداللّه بن العباس، من أمثال هذه المواقف، وقد مرّ عليك في المراجعة 26 احتجاجه على ذلك الرهط العاتي ببضع عشرة من خصائص علي في حديث طويل جليل، قال فيه: وقال النبي لبني عمّه، أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا، وقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال لعلي: أنت وليي في الدنيا والآخرة (إلى أن قال ابن عباس): وخرج رسول اللّه في غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال رسول اللّه: لا، فبكى علي، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي (قال): وقال له رسول اللّه: أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي (قال): وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فإن عليّاً مولاه. الحديث.
* وكم لرجالات بني هاشم يومئذ من أمثال هذه الإحتجاجات، حتى أن الحسن بن علي جاء إلى أبي بكر وهو على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال له: إنزل عن مجلس أبي، ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو على المنبر أيضاً(7).
* وكتب الإمامية تثبت في هذا المقام احتجاجات كثيرة قام بها الهاشميون وأولياؤهم من الصحابة والتابعين، فليراجعها من أرادها في مظانها، وحسبنا ما في كتاب الإحتجاج للإمام الطبرسي من كلام كلّ من خالد بن سعيد بن العاص الأموي(8)، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد، وبريدة الأسلمي، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل وعثمان ابني حنيف، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبي أيوب الأنصاري، وغيرهم. ومن تتبع أخبار أهل البيت وأوليائهم، علم أنهم كانوا لا يضيّعون فرصة تخولّهم الاحتجاج بأنواعه كلّها من تصريح وتلويح، وشدّة ولين، وخطابة وكتابة، وشعر ونثر، حسبما تسمح لهم ظروفهم الحرجة.
* وأكثروا من ذكر الوصيّة محتجّين بها كما يعلمه المتتبعون.
(1) أي تبجحاً، والبجح بالشيء: هو الفرح به.
(2) نقلناه من التاريخ الكامل لابن الأثير بعين لفظه وقد اورده في آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23 ص 63 ـ 64 ج 3، واورده علامة المعتزلة في سيرة عمر ايضاً ص 53 ج 12 من شرح نهج البلاغة.
(3) الذرو ـ بالكسر والضم ـ: المكان المرتفع والعلو مطلقاً، والمعنى أنه كان من رسول اللّه في أمر علي علو من القول في الثناء عليه، وهذا اعتراف من عمر كما لا يخفى.
(4) هذا مأخوذ من قولهم ربع الرجل في هذا الحجر إذا رفعه بيده امتحاناً لقوته يريد أن النبي كان في ثنائه على علي بتلك الكلمات البليغة، يمتحن الأمة في انها هل تقبله خليفة أم لا.
(5) اخرجه الإمام أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر في كتابه تاريخ بغداد بسنده المعتبر إلى ابن عباس، اورده علامة المعتزلة في أحوال عمر في شرح نهج البلاغة ص 20 ج 12.
(6) أورد هذه المحاورة أهل السير في أحوال عمر، ونحن نقلناها من شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة، فراجع ص 46 ج 12.
(7) نقل ابن حجر كلتا القضيتين في المقصد الخامس، مما أشارت إليه آية المودة في القربى، وهي الأية 14 من آيات الباب 11 من صواعقه، فراجع من الصواعق ص 269 وقد أخرج الدارقطني قضية الحسن مع أبي بكر، وأخرج ابن سعد في ترجمة عمر من طبقاته قضية الحسين مع عمر.
(8) كان خالد بن سعيد بن العاص ممن أبى خلافة أبي بكر، وامتنع عن البيعة ثلاثة أشهر، نص على ذلك جماعة من أثبات أهل السنة، كابن سعد في ترجمة خالد من طبقاته ص 97 ج 4، وذكر إن أبا بكر لمّا بعث الجنود إلى الشام عقد له على المسلمين وجاء باللواء إلى بيته، فقال عمر لأبي بكر: أتولي خالداً وهو القائل ما قال؟ فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي فقال له: إن خليفة رسول اللّه يقول لك: اردد الينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: ما سرتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم، فجاء أبو بكر فدخل عليه يعتذر إليه، ويعزم عليه ان لا يذكر عمر بحرف اهـ. وكل من ذكر بعث الجنود إلى الشام، أورد هذه القضية او اشار إليها، فهي من الأُمور المستفيضة.