قوله تعالى: (طوبى لهم وحسن مآب)(1)
قال السيّد:
«فـ(طوبى لهم وحسن مآب) (جنّات عدن مفتّحةً لهم الأبواب)»(2).
قال في الهامش:
«أخرج الثعلبي في معناها من تفسيره الكبير، بسند يرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، قال: طوبى شجرة أصلها في دارى وفرعها على أهل الجنّة؛ فقال بعضهم: يا رسول اللّه! سألناك عنها فقلت: أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنّة؟! فقال: أليس داري ودار علي واحدة؟!».
فقيل:
«ما نقله عن الثعلبي في معنى هذه الآية من الكذب المحض البارد الذي لا يخفى على من عنده طرف من العلم، وواضعه من أشدّ الناس وقاحةً وجرأة على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
ومن أساليب الشيعة المعتادة في الوضع والكذب أنّهم يعمدون إلى شيء قد اشتهر فيحرّفونه بالحذف أو الزيادة، وقد روى أبو سعيد الخدري، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] أنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه! ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنّة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنّة تخرج من أكمامها.
الطبري 13 : 149.
وروى الإمام أحمد في المسند، وابن حبّان، من حديث دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، وخرّجه السيوطي في الدرّ 4 : 59 وزاد نسبته لأبي يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب في تاريخه.
زاد المسير 4 : 327.
والحديث ضعيف؛ لأنّه من رواية دراج بن سمعان أبو السمح القرشي السهمي مولاهم المصري القاصّ:
قال عنه النسائي: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: منكَر الحديث وقال أبوحاتم: في حديثه ضعف. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال في موضع آخر: متروك. وقال فضلك الرازي لمّا ذُكر له أنّ ابن معين قال: دراج ثقة، فقال: ليس بثقة ولا كرامة. وقال ابن عديّ: عامّة الأحاديث التي أمليتها عن دراج ممّا لا يتابع عليه. وحكى ابن عديّ عن أحمد بن حنبل: أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف».
أقول:
أوّلاً: أيّ تعارض بين حديث الطبري، وبين حديث الثعلبي وغيره؟!
إنّ حديث الطبري يفيد بأنّ «طوبى» هي «شجرة في الجنّة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنّة من أكمامها» أمّا أين أصلها؟ وأين فرعها؟ فهو ساكت عن ذلك.
وحديث الثعلبي أيضاً يقول: هي «شجرة في الجنّة»، ويضيف موضع أصلها، وموضع فرعها… فأين التعارض؟!
وهذا من مواضع جهل هذا المفتري أو تعصّبه!!
وثانياً: أين التحريف بالحذف أو الزيادة، في الحديث المذكور، من قِبَل الشيعة؟!
إنّ من يخاف اللّه واليوم الآخر لا يتكلّم هكذا ألبتة!
وثالثاً: لقد خرّج السيوطي في الدرّ المنثور حديث الثعلبي وغيره بعد حديث الطبري والجماعة فقال: «وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن سيرين رضي اللّه عنه، قال: شجرة في الجنّة أصلها في حجرة عليّ، وليس في الجنّة حجرة إلاّ وفيها غصن من أغصانها» فهل المفتري لم يره؟!
ورابعاً: إذاكان واضع هذا الحديث «من أشدّ الناس وقاحةً وجرأةً على النبيّ» فالقائلون به والرواة له كابن سيرين وابن أبي حاتم والثعلبي والسيوطي وغيرهم كذلك، وهل يلتزم المفترون بذلك؟!
وخامساً: دعوى ضعف الحديث، من أكذب الكذب، لأنّ «دراج بن سمعان» من رجال البخاري في الأدب وغيره، ومن رجال الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة(3).
وسادساً: إنّه قد وثّق هذا الرجل بصراحة:
يحيى بن معين.
عثمان بن سعيد الدارمي.
أبوحفص ابن شاهين.
ابن حبّان، حتّى إنّه أخرج عنه في صحيحه.
وغيرهم.
وسابعاً: لقد حرّف هذا المفتري كلام ابن عديّ؛ وذلك لأنّ ابن عديّ أورد أحاديث أملاها عن دراج وجعلها «ممّا لا يتابع عليه» ثمّ قال:
«وسائر أخبار دراج غير ما ذكرت من هذه الأحاديث يتابعه الناس عليها، وأرجو إذا أخرجت دراج وبرّأته من هذه الأحاديث التي أنكرت عليه أنّ سائر أحاديثه لا بأس بها، وتقرب صورته ممّا قال فيه يحيى بن معين».
هذا نصّ كلام ابن عديّ في كتابه(4) وتراه أيضاً في تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وغيرهما.
فانظر كيف يحرّفون، وعلى غيرهم يفترون!!
* * *
(1) سورة الرعد 13 : 29.
(2) سورة ص 38 : 50.
(3) تهذيب الكمال 8 : 480، تهذيب التهذيب 3 : 180.
(4) الكامل ـ لابن عديّ ـ 4 : 16.