قال السيّد رحمه اللّه:
في وجه الاستدلال بخصائص أمير المؤمنين على إمامته:
«إنّ من كان مثلكم ـ ثاقب الروية، بعيد المرمى، خبيراً بموارد الكلام ومصادره، بصيراً بمراميه ومغازيه، مستبصراً برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وحكمته البالغة ونبوّته الخاتمة، مقدّراً قدره في أفعاله وأقواله وأنه لا ينطق عن الهوى ـ لا تفوته مقاصد تلك السُنن، ولا تخفى عليه لوازمها، عرفاً وعقلاً..
وما كان ليخفى عليك ـ وأنت من أثبات العربية وأسنادها(1) ـ أنّ تلك السُنن قد أعطت عليّاً من المنازل المتعالية ما لا يجوز على اللّه تعالى وأنبيائه إعطاؤها إلاّ لخلفائهم وأُمنائهم على الدين وأهله، فإذا لم تكن دالّة على الخلافة بالمطابقة، فهي كاشفة عنها ألبتة ودالّة عليها لا محالة بالدلالة الالتزامية، واللزوم فيها بيّن بالمعنى الأخصّ، وحاشا سيّد الأنبياء أن يعطي تلك المنازل الرفيعة إلاّ لوصيّه من بعده، ووليّه في عهده..
على أنّ من سبر غور سائر السُنن المختصّة بعليّ، وعجم عودها بروية وإنصاف، وجدها بأسرها ـ إلاّ قليلاً منها ـ ترمي إلى إمامته، وتدلّ عليها إمّا بدلالة المطابقة، كالنصوص السابقة(2)، وكعهد الغدير، وإمّا بدلالة الالتزام، كالسُنن التي أسلفناها في المراجعة 48..
وكقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لن يفترقاً حتّى يردا عليّ الحوض(3)..
وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني(4)..
وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حديث عبدالرحمن بن عوف(5): والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً منّي أو كنفسي.. الحديث، وآخره: فأخذ بيد عليّ، فقال: هو هذا..
إلى ما لا يحصى من أمثال هذه السُنن، وهذه فائدة جليلة ألفت إليها كلّ غوّاص عن الحقائق، كشّاف عن الغوامض، موغل في البحث بنفسه لنفسه، لا يتبع إلاّ ما يفهمه من لوازم تلك السُنن المقدّسة، بقطع النظر عن العاطفة».
(1) أثبات: بفتح الهمزة جمع «ثَبَت» بفتحتين، وأسناد: جمع «سَنَد» بفتحتين أيضاً، والثبت والسند هو الحجّة.
(2) المذكورة في المراجعة 20 والمراجعة 26 والمراجعة 36 والمراجعة 40.
(3) أخرجه الحاكم في ص 124 ج 3 من المستدرك، والذهبي في تلك الصفحة من تلخيصه مصرّحين بصحّته، وهو من الأحاديث المستفيضة..
ومن ذا يجهل كون عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ بعد صحاح الثقلين ـ الكتاب والعترة ـ فقف على ما أوردناه منها في المراجعة 8، واعرف حقّ إمام العترة وسيّدها لا يدافع ولا ينازع.
(4) أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي من حديث ابن عبّاس، ونقله ابن حجر في ص 193 من صواعقه، فراجع الحديث 35 من الأربعين حديثاً التي أوردها في الفصل 2 من الباب 9 من صواعقه.
(5) وهو الحديث 36497 ص 163 ج 13 من كنز العمّال، وحسبك حجّة على أنّ عليّاً كنفس رسول اللّه آية المباهلة على ما فصّله الرازي في معناها من تفسيره الكبير (مفاتيح الغيب) ص 86 ج 8، ولا يفوتنّك ما ذكرناه في مباحث الآية من كلمتنا الغرّاء.