في الإمامة العامّة وهي الخلافة عن رسول اللّه
أقول:
كان المبحث الأوّل في: (إمامة المذهب) في الأُصول والفروع، وقد أورد السيّد فيه أدلّةً من الكتاب والسُنّة على وجوب الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، في القضايا الإعتقادية والأحكام العملية والآداب والسُنن الشرعية، وأشار إلى حكم العقل في الباب، في نهاية المراجعة 18 بقوله: «دعنا من نصوصهم وبيّناتهم، وانظر إليهم بقطع النظر عنها، فهل تجد فيهم قصوراً في علم أو عمل أو تقوىً عن الإمام الأشعري أو الأئمّة الأربعة أو غيرهم، وإذا لم يكن فيهم قصور، فبمَ كان غيرهم أوْلى بالاتّباع وأحقُّ بأنْ يطاع؟!»…(1).
هذا، وقد تقرّر عندنا وعند الجمهور قبح تقدُّم المفضول على الفاضل، الأمر الذي أذعن به حتّى ابن تيميّة(2).
وعنوان المبحث الثاني: (الإمامة العامّة وهي الخلافة عن رسول اللّه) وفي هذا العنوان إشارة إلى مطلبين:
* أحدهما: تعريف الإمامة؛ فقد اتّفق الفريقان على أنّ الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبيّ(3)..
فالإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا، وزعامة مطلقة في جميع شؤون الأُمّة المادّية والمعنويّة، وهي نيابة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ فيكون للإمام كلّ ما كان للنبيّ من المنازل والحالات والصفات، إلاّ النبوّة.
* والآخر: المرادفة بين «الإمامة العامّة» و«الخلافة الكبرى» و«الولاية المطلقة»..
فالخليفة عن رسول اللّه لا بُدّ وأن تتوفرّ فيه كلّ ما يعتبر فيه من الصفات والحالات، وحينئذ يجب على الأُمّة الاقتداء به في كلّ الأُمور، والإطاعة له في كلّ ما يأمر به أو ينهى عنه، وتنفذ فيهم جميع تصرّفاته، ولا يجوز لأحد الاعتراض عليه في شيء من ذلك.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ «الحكومة» شأنٌ من شؤون الإمام، ومن الواجب على أفراد الأُمّة أن يتعاونوا معه في القيام بمهامّها، لينالوا بذلك الخير والفلاح في الدنيا والآخرة.
فموضوع هذا المبحث هو: «إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مباشرةً».
قال السيّد ـ رحمه اللّه ـ:
«إنّ من أحاط علماً بسيرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في تأسيس دولة الإسلام، وتشريع أحكامها، وتمهيد قواعدها، وسنّ قوانينها، وتنظيم شؤونها عن اللّه عزّوجلّ، يجد عليّاً وزير رسول اللّه في أمره، وظهيره على عدوّه، وعيبة علمه، ووارث حكمه، وولي عهده، وصاحب الأمر من بعده..
ومن وقف على أقوال النبيّ وأفعاله، في حلّه وترحاله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يجد نصوصه في ذلك متواترةً متوالية، من مبدإ أمره إلى منتهى عمره»(4).
أقول:
فهذا موضوع المبحث الثاني.
وأمّا بالنسبة إلى غير عليّ عليه السلام، فقد نصّ كبار أئمّة القوم على عدم النصّ على إمامة أبي بكر وولايته وخلافته بعد رسول اللّه؛ قال القاضي العضد الإيجي: «إنّ طريقه إمّا النصّ أو الإجماع، أمّا النصّ فلم يوجد»(5).
وقد اكتفى السيّد لإثبات المدّعى بذكر عدّة نصوص، مع التعرّض لشبهات الخصوم بشأنها، والجواب عنها، بحيث يصلح كلّ واحد من تلك النصوص لأنْ يكون دليلاً على الإمامة العامّة حتّى لو لم يكن دليل غيره، ومن هنا، فقد استغرق كلّ واحد منها عدّة مراجعات:
(1) المراجعات: 108.
(2) منهاج السُنّة 6 : 475.
(3) انظر من كتب أصحابنا: مناهج اليقين في أُصول الدين: 289، النافع يوم الحشر: 40، شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام، وغيرها..
ومن كتب الجمهور: شرح المواقف، شرح المقاصد؛ في أوّل مباحث الإمامة.
(4) المراجعات: 109.
(5) كتاب المواقف: 605.