حكم الرواية عن النواصب:
أمّا في الرواية عن النواصب والخوارج، وأعداء عليٍّ وأهل البيت عليهم السلام.. فقد أسّس بعضهم قاعدةً مفادها أنّ هؤلاء لا يكذبون أصلاً، فبنى على ذلك قبول أحاديثهم مطلقاً..
يقول ابن تيميّة: «والخوارج أصدق من الرافضة وأدْيَن وأورع! بل الخوارج لا نعرف عنهم أنّهم يتعمّدون الكذب، بل هم من أصدق الناس!!»(1).
هذا كلامه في الخوارج الّذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام..
ويقول الذهبي: إنّ التكلّم في من حارب عليّاً من الصحابة قبيحٌ يؤدَّب فاعلُه!….
قال: ولا نذكر أحداً من الصحابة إلاّ بخير، ونترضّى عنهم، ونقول: هم طائفة من المؤمنين بَغَت على الإمام عليّ، وذلك بنصّ قول المصطفى صلوات اللّه عليه لعمّار: تقتلك الفئة الباغية…(2).
فهذا رأي مثل الذهبي الذي أصبحت آراؤه وأقواله حجّةً عند المتأخّرين منهم، يرجعون إليها ويعتمدون عليها…!!
وقال ابن حجر: «… وأيضاً، فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسّك بأُمور الديانة، بخلاف من يوصف بالرفض فإنّ غالبهم كاذب ولا يتورّع في الأخبار، والأصل فيه أنّ الناصبة اعتقدوا أنّ عليّاً رضي اللّه عنه قتل عثمان أو كان عليه، فكان بغضهم له ديانةً بزعمهم. ثمّ انضاف إلى ذلك أنّ منهم من قتلت أقاربه في حروب عليّ»(3).
في حين أنّ المناوي ـ مثلاً ـ ينقل في شرح الجامع الصغير إجماع فقهاء الحجاز والعراق من أهل الحديث والرأي، منهم مالك والشافعي وأبوحنيفة والأوزاعي، وعن الجمهور الأعظم من المتكلّمين والمسلمين أنّ عليّاً مصيب في قتاله لأهل صِفّين كما هو مصيب في قتاله أهل الجمل، وأن الّذين قاتلوه بغاة ظالمون له(4).
بل العجيب أنّ بعض الأعلام منهم قال: «كان عمّار بن ياسر فاسقاً»!! وقائل هذا الكلام من رجال أبي داود، وقد وثّقه أبو زرعة، وذكره ابن حبّان في الثقات(5)، وقال ابن حجر: «صدوق يخطئ»(6).
ومن العجيب أيضاً أن القوم أخرجوا في صحاحهم عمّن كان يستغفر للحجّاج بن يوسف الثقفي!! فقد ذكروا بترجمة عبداللّه بن عون ـ من رجال الصحاح الستّة ـ: «قال معاذ بن معاذ: ما رأيت رجلاً أعظم رجاءً لأهل الإسلام من ابن عون، لقد ذُكر عنده الحجّاج وأنا شاهد، فقيل: يزعمون أنّك تستغفر له؟ فقال: ما لي لا أستغفر للحجّاج من بين الناس، وما بيني وبينه؟! وما كنت أُبالي أن أستغفر له الساعة!
قال معاذ: وكان إذا ذُكر عنده الرجل بعيب قال: إنّ اللّه تعالى رحيم»(7).
وروايتهم في الصحاح عمّن كان «يحمل على عليّ» كثيرة جدّاً….
فقد أخرج أرباب الصحاح الستّة عن مغيرة بن مقسم، ووثّقه الذهبي، وكان يحمل على عليٍّ عليه السلام(8)..
وأخرجوا عن قيس بن أبي حازم، ووثّقه الذهبي، وكان يحمل على عليٍّ عليه السلام(9).
وعن أبي قلابة الجرمي البصري، وترجم له الذهبي وذكر له كرامات ومناقب!! وكان يحمل على عليٍّ عليه السلام ولم يرو عنه شيئاً(10)..
وأخرج مسلم والأربعة عن الفأفاء، وقد نصَّ الذهبي على كونه ناصبيّاً(11).
فباللّه عليك!! كيف يكون من يتحامل على عليٍّ عليه السلام ثقةً يُنقل بواسطته الحديث عن رسول اللّه ويُذكر في الكتب الموصوفة بالصحاح؟!
وكيف يكون النواصب عدولاً، وعداؤه علامة النفاق؛ للأحاديث الصحيحة المتّفق عليها، والمنافق فاسق بالإجماع؟!
(1) منهاج السُنّة 7 : 36.
(2) سير أعلام النبلاء 8 : 209.
(3) تهذيب التهذيب، وانتقده بالتفصيل صاحب كتاب العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل فأفاد وأجاد جزاه اللّه خيراً.
(4) فيض القدير شرح الجامع الصغير 6 : 366.
(5) تهذيب التهذيب 5 : 155.
(6) تقريب التهذيب 1 : 407.
(7) حلية الأولياء 3 : 41.
(8) سير أعلام النبلاء 6 : 12.
(9) سير أعلام النبلاء 4 : 199.
(10) سير أعلام النبلاء 4 : 468.
(11) سير أعلام النبلاء 5 : 374.