* حكم الرواية عن الرافضي والشيعي:
وقد اختلفوا في حكم الرواية عن «الرافضي» و«الشيعي» على أثر اختلافهم في العنوانَين مفهوماً وحكماً.. وتحيّروا في ذلك بشدّة؛ لكثرة الرواة الشيعة من جهة، ولاعتراف القوم بعدالتهم وأمانتهم وضبطهم في النقل من جهة أخرى، ولوجود عدد غير قليل منهم في الصحاح وغيرها من الكتب من جهة ثالثة.
فذهب بعضهم إلى جرح الراوي وردّ روايته، لا لشيء، إلاّ لتشيّعه(1):
ففي ترجمة «ثوير بن أبي فاخته» بعد ذكر تكلّم بعضهم فيه: «قال الحاكم في المستدرك: لم ينقم عليه إلاّ التشيّع»(2).
وفي ترجمة «عبيداللّه بن موسى» عن أحمد بن حنبل: «إنّه تركه لتشيّعه»(3).
وفي ترجمة «علي بن غراب» قال الخطيب: «أظنّه طعن عليه لأجل مذهبه فإنّه كان يتشيّع»(4).
وفي ترجمة «فطر بن خليفة» عن العجلي: «كان فيه تشيّع قليل» وعن ابن عيّاش: «تركت الرواية عنه لسوء مذهبه»(5).
وفي ترجمة «علي بن المنذر» عن الإسماعيلي: «في القلب منه شيء، لست أخيّره»(6).
وفي ترجمة «عبداللّه بن الجهم الرازي» عن أبي زرعة: «رأيته ولم أكتب عنه وكان صدوقاً. وقال أبو حاتم: رأيته ولم أكتب عنه وكان يتشيّع»(7).
وكم من راو كبير ومحدِّث شهير، تركوا أحاديثه لأنّ «عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت»(8).
وكم وقع الكلام بينهم بشأن «أحمد بن الأزهر» لأنّه روى بسند صحيح عن ابن عبّاس أنّه قال: «نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب اللّه، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ اللّه، فالويل لمن أبغضك بعدي»، فقال الذهبي: «هو ثقة بلا تردّد، غاية ما نقموا عليه ذاك الحديث في فضل عليّ رضي اللّه عنه»(9).
وجاء بترجمة «أحمد بن محمّد الستيتي» ـ المتوفّى سنة 417 ـ أنّه: «كان يُتّهم بالتشيّع، فحلف لنا أنّه بريء من ذلك، وأنّه من موالي يزيد، وأنّه قد زار قبر يزيد»!!(10).
لكنّ الأكثر يأخذون برواية الشيعي، إذا كانوا يرونه ثقة صدوقاً في نقله.. سواء كان ممّن يتكلّم في معاوية وأمثاله، أو في عثمان وأعوانه، أو في الشيخين وأصحابهما.
واختلفوا في الاحتجاج برواية الرافضي الصدوق على ثلاثة أقوال:
أحدها: المنع مطلقاً.
والثاني: الترخّص مطلقاً.
والثالث: التفصيل، فتقبل رواية غير الداعية، وتردّ رواية الداعية(11).
فإن كان المراد من «الرافضي» هو «الشيعي الغال»: وهو الذي يقدّم عليّاً عليه السلام على أبي بكر وعمر، كما هو صريح الحافظ ابن حجر، وتدلّ عليه الشواهد والقرائن الكثيرة؛ فهو..
وإنْ كان المراد من «الشيعي»: من يحبُّ عليّاً عليه السلام أو يقدّمه على عثمان أو يتكلّم في معاوية، ومن «الرافضي»: خصوص من يقدّم عليّاً عليه السلام على أبي بكر وعمر؛ ففي الصحاح ممّن يقدّمه عليهما كثيرون، بل فيها مَن كان يتكلّم فيهما أيضاً.
وعلى كلّ تقدير يصحُّ قول السيّد في عنوان المراجعة: «مائة من أسناد الشيعة في أسناد السُنّة».
(1) ولا نذكر آراء الجوزجاني؛ لأنّه كان ناصبيّاً، لا يعتبرون بتجريحاته للشيعة، ثمّ لا عجب من أنْ يتكلّموا في الراوي لأجل تشيّعه، فإنّ في القوم من تكلّم في أئمّة العترة الطاهرة بكلّ جرأة ووقاحة حتّى انتقده بعض علمائهم، كقول ابن سعد صاحب الطبقات في الإمام الصادق عليه السلام: «كان كثير الحديث، ولا يحتّج به، ويستضعف. سئل مرّةً: هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم. وسئل مرّةً فقال: إنّما وجدتها في كتبه»، فاعترضه ابن حجر قائلاً: «يحتمل أنْ يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة، فذكر في ما سمعه أنّه سمعه، وفي ما لم يسمعه أنّه وجده، وهذا يدلّ على تثبّته». تهذيب التهذيب 2 : 89.
قلت: فإنْ كان ابن سعد لا يفهم هذا فما أجهله، وإنْ كان يفهمه فما أسوء حاله! وعلى كلّ حال فليس لقوله أيّ اعتبار.
(2) تهذيب التهذيب 2 : 33.
(3) تهذيب التهذيب 7 : 48.
(4) تاريخ بغداد 12 : 46.
(5) مقدّمة فتح الباري: 435.
(6) تهذيب التهذيب 7 : 338.
(7) تهذيب التهذيب 5 : 155.
(8) انظر مثلاً: تهذيب التهذيب 2 : 41 ـ ترجمة جابر بن يزيد الجعفي ـ، وج 3 : 170 و374 ـ ترجمة أبي الجحاف داود بن أبي عوف، وترجمة سالم بن أبي حفصة ـ وج 5 : 265 ـ ترجمة عبداللّه بن عبدالقدّوس.
(9) سير أعلام النبلاء 12 : 364.
(10) سير أعلام النبلاء 17 : 359، ويدلّ هذا على أنّ «التسنّن» المقابل لـ: «التشيّع» هو اتّباع بني أُمية، وله شواهد كثيرة في التاريخ والرجال، وقد حققّنا ذلك في بعض رسائلنا.
(11) ميزان الاعتدال 1 : 27، علوم الحديث لابن الصلاح، وقد عزا القول بالتفصيل إلى الكثير أو الأكثر من العلماء، ونصّ شارحه الزين العراقي على أنّ البخاري ومسلماً احتجّا أيضاً بالدعاة.. انظر: التقييد والإيضاح: 150.
قلت: قد ذكرنا سابقاً أسامي جمع منهم.