حديث الغدير
قال السيّد رحمه اللّه:
أخرج الطبراني وغيره بسند مجمع على صحّته(1)، عن زيد بن أرقم، قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بغدير خمّ، تحت شجرات، فقال: أيّها الناس! يوشك أن أُدعى فأُجيب(2)، وإنّي مسؤول(3)، وإنّكم مسؤولون(4)، فماذا أنتم قائلون؟!
قالوا: نشهد أنّ قد بلّغت وجاهدت ونصحت، فجزاك اللّه خيراً.
فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وأنّ ناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث مَن في القبور؟!
قالوا: بلى نشهد بذلك(5).
قال: اللّهمّ اشهد.
ثمّ قال: يا أيّها الناس! إنّ اللّه مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم(6)، فمن كنت مولاه، فهذا مولاه ـ يعني عليّاً ـ اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه.
ثمّ قال: يا أيّها الناس! إنّي فرطكم، وإنّكم واردون علَيّ الحوض، حوض أعرض ممّا بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة، وإنّي سائلكم حين تردون علَيّ عن الثقلين، كيف تخلفوني فيهما؟ الثقل الأكبر: كتاب اللّه عزّ وجلّ، سبب طرفه بيد اللّه تعالى، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضّلوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتّى يردا علَيّ الحوض(7).
وأخرج الحاكم في مناقب عليّ من مستدركه(8)، عن زيد بن أرقم من طريقين صحّحهما على شرط الشيخين قال: لمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، من حجّة الوداع ونزل غدير خمّ، أمر بدوحات فقممن، فقال: كأنّي دعيت فأجبت، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد عليّ، فقال: مَن كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وذكر الحديث بطوله، ولم يتعقّبه الذهبي في التلخيص….
وقد أخرجه الحاكم أيضاً في باب ذكر زيد بن أرقم من المستدرك(9) مصرّحاً بصحّته، والذهبي ـ على تشدّده ـ صرّح بهذا أيضاً في ذلك الباب من تلخيصه، فراجع.
وأخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم(10)، قال: نزلنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بوادي. يقال له: وادي خمّ، فأمر بالصّلاة فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون، أولستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟! قالوا: بلى. قال: فمَن كنت مولاه، فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
وأخرج النسائي عن زيد بن أرقم(11)، قال: لمّا دفع النبيّ من حجّة الوداع ونزل غدير خمّ، أمر بدوحات فقممن، ثمّ قال: كأنّي دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض..
ثمّ قال: إنّ اللّه مولاي، وأنا وليّ كلّ مؤمن، ثمّ إنّه أخذ بيد عليّ، فقال: مَن كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه.
قال أبو الطفيل: فقلت لزيد: سمعته من رسول اللّهصلّى اللّه عليه وآله وسلّم(12)؟!
فقال: وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأُذنيه.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في باب فضائل عليّ من صحيحه(13) من عدّة طرق عن زيد بن أرقم، لكنّه اختصره فبتره ـ وكذلك يفعلون ـ.
وأخرج الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب(14) من طريقين، قال: كنّا مع رسول اللّه، فنزلنا بغدير خمّ، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكُسح لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تحت شجرتين، فصلّي الظهر وأخذ بيد عليّ، فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟! قالوا: بلى. قال: فأخذ بيد عليّ، فقال: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه..
قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وأخرج النسائي عن عائشة بنت سعد(15)، قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يوم الجحفة، فأخذ بيد عليّ وخطب، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّي وليّكم، قالوا: صدقت يا رسول اللّه. ثمّ رفع يد عليّ، فقال: هذا وليّي، ويؤدّي عنّي دَيني، وأنا موالي من والاه، ومعادى من عاداه..
وعن سعد أيضاً(16)، قال: كنّا مع رسول اللّه، فلمّا بلغ غدير خمّ، وقف للناس ثمّ ردّ من تبعه، ولحق من تخلّف، فلمّا اجتمع الناس إليه، قال: أيّها الناس! مَن وليّكم؟ قالوا: اللّه ورسوله. ثمّ أخذ بيد عليّ فأقامه، ثمّ قال مَن كان اللّه ورسوله وليّه، فهذا وليّه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه.
والسُنن في هذا كثيرة لا تحاط ولا تضبط، وهي نصوص صريحة بأنّه وليّ عهده وصاحب الأمر من بعده، كما قال الفضل بن العبّاس بن أبي لهب(17).
وكان وليّ العهد بعد محمّد *** عليّ وفي كلّ المواطن صاحبه(18)
(1) صرّح بصحّته غير واحد من الأعلام، حتّى اعترف بذلك ابن حجر؛ إذ أورده نقلاً عن الطبراني وغيره في أثناء الشبهة الحادية عشر من الشبه التي ذكرها في الفصل الخامس من الباب الأوّل من الصواعق ص 25.
(2) إنّما نعى إليهم نفسه الزكية تنبيهاً إلى أن الوقت قد استوجب تبليغ عهده، واقتضى الأذان بتعيين الخليفة من بعده، وأنّه لا يسعه تأخير ذلك مخافة أن يدعى فيجيب قبل إحكام هذه المهمّة التي لابُدّ له من إحكامها، ولا غنىً لأُمّته عن إتمامها.
(3) لمّا كان عهده إلى أخيه ثقيلاً على أهل التنافس والحسد والشحناء والنفاق أراد صلّى اللّه عليه وآله ـ قبل أن ينادي بذلك ـ أن يتقدّم في الاعتذار إليهم تأليفاً لقلوبهم وإشفاقاً من معرّة أقوالهم وأفعالهم، فقال: وإنّي مسؤول؛ ليعلموا أنّه مأمور بذلك ومسؤول عنه، فلا سبيل له إلى تركه..
وقد أخرج الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول، بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك) يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب.
(4) لعلّه أشار بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: وإنّكم مسؤولون، إلى ما أخرجه الديلمي وغيره ـ كما في الصواعق وغيرها ـ عن أبي سعيد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: (وقفوهم إنّهم مسؤولون)عن ولاية عليّ، وقال الإمام الواحدي: (إنّهم مسؤولون)عن ولاية عليّ وأهل البيت، فيكون الغرض من قوله: وإنّكم مسؤولون، تهديد أهل الخلاف لوليّه ووصيّه.
(5) تدبّر هذه الخطبة، من تدبّرها وأعطى التأمّل فيها حقّه، فعلم أنّها ترمي إلى أنّ ولاية عليّ من أُصول الدين، كما عليه الإمامية؛ حيث سألهم أوّلاً، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟! إلى أن قال: وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور، ثمّ عقّب ذلك بذكر الولاية ليعلم أنّها على حدّ تلك الأُمور التي سألهم عنها فأقرّوا بها، وهذا ظاهر لكلّ من عرف أساليب الكلام ومغازيه من أُولي الأفهام.
(6) قوله: وأنا أولى، قرينة لفظية، على أنّ المراد من المولى إنّما هو الأولى، فيكون المعنى: إنّ اللّه أولى بي من نفسي وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومن كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه.
(7) هذا لفظ الحديث عند الطبراني وابن جرير والحكيم الترمذي، عن زيد بن أرقم، وقد نقله ابن حجر عن الطبراني وغيره باللفظ الذي سمعته، وأرسل صحّته إرسال المسلّمات، فراجع ص 25 من الصواعق.
(8) المستدرك على الصحيحين 3 : 109.
(9) المستدرك على الصحيحين 3 : 533.
(10) في ص 372 ج 4 من مسنده.
(11) ح 79 من الخصائص العلوية عند ذكر قول النبيّ: من كنت وليّه فهذا وليّه.
(12) سؤال أبي الطفيل ظاهر في تعجّبه من هذه الأُمّة إذ صرفت هذا الأمر عن عليّ مع ما ترويه عن نبيّها في حقّه يوم الغدير، وكأنّه شكّ في صحّته ما ترويه في ذلك، فقال لزيد حين سمع روايته منه: أسمعته من رسول اللّه؟! كالمستغرب المتعجّب الحائر المرتاب، فأجابه زيد بأنّه لم يكن في الدوحات أحد على كثرة مَن كان يومئذ من الخلائق هناك، إلاّ مَن رآه بعينيه وسمعه بأُذنيه، فعلم أبو الطفيل حينئذ أنّ الأمر كما قال الكميت عليه الرحمة:
ويوم الدوح دوح غدير خمّ *** أبان له الخلافة لو أُطيعا
ولكن الرجال تبايعوها *** فلم أر مثلها خطراً مبيعا
ولم أر مثل ذاك اليوم يوماً *** ولم أر مثله حقاً أُضيعا
(13) ص 325 من جزئه الثاني.
(14) في ص 281 من الجزء الرابع من مسنده.
(15) في ح 8 من خصائصه العلوية، في باب: ذكر منزلة عليّ من اللّه عزّ وجلّ، وفي ح 95 في باب: الترغيب في موالاته والترهيب من معاداته.
(16) في ما أخرجه النسائي ح 96 من خصائصه.
(17) من أبيات له أجاب فيها الوليد بن عقبة بن أبي معيط، في ما ذكره محمّد محمود الرافعي في مقدّمة شرح الهاشميات صفحة 8.
(18) المراجعات: 164 ـ 168.