حديثُ المناقب العشر
قال السيّد:
«حسبك من النصوص ـ بعد حديث الدار ـ: ما قد أخرجه الإمام أحمد في الجزء الأوّل من مسنده(1)، والإمام النَسائي في خصائصه العَلَوية(2)، والحاكم في الجزء 3 من صحيحه المستدرك(3)، والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته، وغيرهم من أصحاب السُنن بالطرق المجمع على صحّتها:
عن عمرو بن ميمون، قال: إنّي لجالس عند ابن عبّاس إذْ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا ابن عبّاس! إمّا أن تقوم معنا، وإمّا أن تخلوا بنا من بين هؤلاء، فقال ابن عبّاس: بل أنا أقوم معكم، قال: هو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدؤوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أُفّ وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره..
وقعوا في رجل قال له النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه اللّه أبداً، يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله، فاستشرف لها من استشرف، فقال: أين عليّ؟ فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر، فنفث في عينيه، ثمّ هزّ الراية ثلاثاً، فأعطاها إيّاه، فجاء عليّ بصفية بنت حيي.
قال ابن عبّاس: ثمّ بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فلاناً بسورة التوبة فبعث عليّاً خلفه، فأخذها منه، وقال: لا يذهب بها إلاّ رجل هو منّي وأنا منه.
قال ابن عبّاس: وقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعليّ جالس معه، فأبوا، فقال عليّ: أنا أُواليك في الدنيا والآخرة، قال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة، قال فتركه، ثمّ قال: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا، وقال عليّ: أنا أُواليك في الدنيا والآخرة، فقال لعليّ: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.
قال ابن عبّاس: وكان عليّ أوّل من آمن من الناس بعد خديجة.
قال: وأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ثوبه، فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين، وقال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)(4).
قال: وشرى عليّ نفسه فلبس ثوب النبيّ، ثمّ نام مكانه وكان المشركون يرمونه.
إلى أن قال: وخرج رسول اللّه في غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له عليّ: أخرج معك؟ فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: لا. فبكى عليّ، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي.
وقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة.
قال ابن عبّاس: وسدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أبواب المسجد غير باب عليّ، فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.
قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ… الحديث..
قال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة».
قلت:
وأخرجه الذهبي في تلخيصه، ثمّ قال: صحيح.
ولا يخفى ما فيه من الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة على أنّ عليّاً وليّ عهده وخليفته من بعده، ألا ترى كيف جعله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وليّه في الدنيا والآخرة، آثره بذلك على سائر أرحامه؟!(5)
أقول:
وهذا الحديث أيضاً من أقوى الأدلّه على إمامة أمير المؤمنين وخلافته العامّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لأنّ ابن عبّاس ذكر هذه المناقب في مقام البحث والتحدّي مع خصوم الإمام عليه السلام، هذا من جهة..
ومن جهة أُخرى، فهو يصرّح بأنّ هذه الفضائل «ليست لأحد غيره»(6).
فدلالته تامّة بلا إشكال.
ومن هنا لم يناقش ابن تيميّة في هذا الحديث من هذه الناحية، فحاول أن يجيب عن الاستدلال به بالطعن في سنده ومتنه، فقال:
«إنّ هذا الحديث ليس مسنداً، بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون؛ لأنّه أسلم على يد معاذ بن جبل ولم يلقَ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وفيه ألفاظ هي كذب على رسول اللّه، كقوله: لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي….
وكذلك قوله: وسدّ الأبواب كلّها إلاّ باب عليّ؛ فإنّ هذا ممّا وضعته الشيعة على طريق المقابلة..
ومثل قوله: أنت وليّي في كلّ مؤمن من بعدي؛ فإنّ هذا موضوع باتّفاق أهل المعرفة بالحديث»(7).
أقول:
هذا الحديث رواه بالسند نفسه كبار الأئمّة في شتّى الكتب، فمنهم من ذكره كلّه ومنهم من ذكر جزءاً منه، ولم نجد من أحد منهم طعناً في سنده لا بالإرسال ولا بغيره، لوضوح أنّ عمرو بن ميمون يروي القصّة عن ابن عبّاس، وابن عبّاس روى تلك الفضائل في مجلس واحد عن رسول اللّه ـ وقد سمعها منه في وقائع مختلفة ـ مذكّراً بها من تكلّم في أمير المؤمنين عليه السلام حتّى ينتهي عمّا يقول، فأين الإرسال؟!
(1) ص 544 ح 3052.
(2) ص 52 ح 24.
(3) ص 132.
(4) سورة الأحزاب 33 : 33.
(5) المراجعات: 116 ـ 117.
(6) المستدرك ـ للحاكم ـ وتلخيصه ـ للذهبي ـ 3 : 132.
(7) منهاج السُنّة 5 : 36.