بقي أمران:
1 ـ إنّ علماء الشيعة إنّما يحتجّون على أهل السُنّة بما يرويه رجالهم الموثّقون من قِبَل كبار علماء الجرح والتعديل، كما يرى القارئ الكريم، وليس لأحد أنْ يطالب علماء الشيعة بالاحتجاج بمَن لم يرد في حقّه أيّ جرح وقدح؛ إذْ ليس في رجالهم من اتّفق كلّهم اجمعون على توثيقه، فإنّ البخاري نفسه ـ وهو صاحب أصحّ الكتب عندهم ـ قد قدح فيه غير واحد من أئمّتهم، حتّى ذكره الحافظ الذهبي في كتابه في الضعفاء ودافع عنه(1).
2 ـ إنّ التشيّع والرفض لا يمنع من قبول الراوي عند المحقّقين منهم، كابن حبّان، والذهبي، وابن حجر العسقلاني وغيرهم، وقد حقّقنا ذلك في بحوثنا المتقدّمة، ونكتفي هنا بإيراد كلام الحافظ أبي حاتم ابن حبّان بترجمة «جعفر بن سليمان»، فإنّه قال:
«جعفر بن سليمان… روى عنه ابن المبارك وأهل العراق، ومات في رجب سنة 178، وكان يبغض الشيخين؛ حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثنا إسحاق بن أبي كامل، ثنا جرير بن يزيد بن هارون ـ بين يدي أبيه ـ قال: بعثني أبي إلى جعفر ابن سليمان الضبعي، فقلت له: بلغنا أنّك تسبّ أبا بكر وعمر. قال: أمّا السبّ فلا، ولكنّ البغض ما شئت. قال: وإذا هو رافضي مثل الحمار.
قال أبو حاتم: وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات، غير أنّه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعية إلى مذهبه..
وليس بين أهل الحديث من أئمّتنا خلاف أنّ الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أنّ الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره، ولهذه العلّة ما تركوا حديث جماعة ممّن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإنْ كانوا ثقات، واحتججنا بأقوام ثقات انتحالهم سواء غير أنّهم لم يكونوا يدعون إلى ما ينتحلون. وانتحال العبد بينه وبين ربّه إن شاء عذّبه عليه وإنْ شاء عفا عنه. وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا»(2).
هذا بالنسبة إلى السند باختصار.
(1) المغني في الضعفاء 2 : 268.
(2) كتاب الثقات 6 : 140.