* الزهري يعمل لبني أُميّة، والأعمش مجانب للسلطان:
وإذا كان الدخول في أعمال الظلمة وما يحمله من الأوزار والآثام مخلاًّ بالعدالة(1)، فإنّ محمّد بن شهاب الزهري، الذي يُعدُّ من أكبر أئمّة القوم في الفقه والحديث، كان من عمّال بني أُميّة، بل جاء عن خارجة بن مصعب: «قدمت على الزهري وهو صاحب شرط بني أُميّة، فرأيته ركب وفي يديه حربة وبين يديه الناس في أيديهم الكافركوبات. فقلت: قبّح اللّه ذا من عالم، فلم أسمع منه»(2).
ولذا لمّا سئل ابن معين(3) عن الزهري والأعمش قال: «برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري، الزهري يرى العرض والإجازة، ويعمل لبني أُميّة، والأعمش فقير صبور، مجانب للسلطان، ورع، عالم بالقرآن»(4).
وإذا كان هذا حكم العمل لبني أُميّة، فكيف يكون الميل على بني أُميّة ذمّاً، كما هو ظاهر عبارة ابن عساكر في أبي عَرُوبة الحرّاني؟!(5).
بل كيف يكون من شرط أخذ الحديث الترحّم على معاوية؟!! فقد حكى الكتّاني أنّ شيخه عبدالرحمن بن محمّد الجوبري قال له: «ما أُحدّثك حتّى أدري مذهبك في معاوية! فقلت: صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وترحّمت عليه. فأخرج إليَّ كتب أبيه جميعها»(6)!
(1) لاحظ: تاريخ بغداد 10 : 294 بترجمة أبي القاسم عبدالرحمن بن الحسن الأسدي القاضي، ولاحظ: سير أعلام النبلاء 9 : 26 بترجمة حفص بن غياث القاضي.
(2) ميزان الاعتدال 1 : 625.
(3) لقّبه الأئمّة بـ: «إمام المحدِّثين». الكاشف 3 : 235، تهذيب التهذيب 11 : 246.
(4) تهذيب التهذيب 4 : 197.
(5) سير أعلام النبلاء 14 : 511.
(6) سير أعلام النبلاء 17 : 415.