الأوّل: تكذيب الحديث سنداً..
وهذا طريق بعض المتعصّبين منهم، المناوئين لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، ومن أشهرهم ابن تيمية، الذي يقول: «وحديث أنا مدينة العلم وعليّ بابها، أضعف وأوهى، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات، وإن رواه الترمذي.. وذكره ابن الجوزي وبيّن أنّ سائر طرقه موضوعة. والكذب يعرف من نفس متنه…»(1).
لكنّ الحديث ليس كذباً موضوعاً، وما ذكره ابن الجوزي قد تعقبّه غير واحد من أئمتهم، كالحافظ السيوطي في اللآلي المصنوعة..
ولا يخفى أنّ ابن تيمية يعترف بكونه من أحاديث صحيح الترمذي، وسيأتي مزيد من الكلام في ذلك.
والحاصل: إنّهم قد رووا هذا الحديث بأسانيدهم عن أمير المؤمنين، وعن الإمامين السبطين الحسن والحسين، وعن عبداللّه بن عبّاس، وجابر، وابن مسعود، وحذيفة، وأنس، وابن عمر، وعمرو بن العاص..
وهو في كتب كثير من الأئمّة، أخرجوه بطرقهم، وقد نصّ على صحّته: يحيى بن معين، وابن جرير الطبري، والحاكم النيسابوري، وجمع من كبار الحفّاظ، ومنهم من نصّ على حسنه: كالحافظ العلائي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ السمهودي، وأمثالهم.
ومانقل عن يحيى بن معين من أنّه قال: «لا أصل له» فكذب؛ بدليل ما جاء في تهذيب الكمال للحافظ أبي الحجّاج المزّي، وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني: «قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: صحيح» وكذلك النقل عنه في كلام الخطيب البغدادي، والجلال السيوطي، والشوكاني، والمناوي، وغيرهم(2).
فإذاً، يحيى بن معين يقول بصحّة حديث: «أنا مدينة العلم…».
ومن القائلين بصحّته: ابن جرير الطبري، في كتابه تهذيب الآثار؛ قال السيوطي في جمع الجوامع: «وقال ابن جرير: هذا خبر صحيح سنده».
ومنهم: الحاكم صاحب المستدرك، فإنّه قال: «هذا حديث صحيح الإسناد»، ثمّ قال: «ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح…»(3).
فلماذا الكذب على العلماء وإخفاء الحقائق أو إنكارها؟!
فإنّ الترمذي لم يقل عقيب حديث: «أنا مدينة العلم…» ذلك، بل سيأتي أنّ هذا الحديث قد أسقطه القوم من كتابه؛ فلو كان قد طعن فيه لم يكن حاجة إلى إسقاطه من الكتاب..
والبخاري إنّما تكلَّم في الحديث الثاني: «أنا دار الحكمة…» كما في اللآلي المصنوعة والمقاصد الحسنة؛ فدعوى تكلّمه في حديث: «أنا مدينة العلم…» كاذبة.
وكذلك نسبة القول بكونه موضوعاً إلى بعض العلماء منهم، فإنّها من الأكاذيب أيضاً..
(1) منهاج السُنّة 7 : 515.
(2) تهذيب الكمال 18 : 77، تهذيب التهذيب 6 : 286، وانظر: تاريخ بغداد 11 : 49، جمع الجوامع ـ للسيوطي ـ 1 : 330، فيض القدير شرح الجامع الصغير 3 : 46، الفوائد المجموعة: 349.
(3) المستدرك على الصحيحين 3 : 126 ـ 127.