6 ـ ابن تيميّة:
وقال ابن تيمية الحرّاني ـ في الردّ على استدلال العلاّمة الحلّي بالحديث ـ:
«والجواب من وجوه: أحدها: أنّ هذا لم يقم دليل على صحّته، فلا يجوز الاحتجاج [به]. وكتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة أجمع أهل العلم على أنّ مجرّد كونه رواه لا يدلّ على صحّة الحديث، وكذلك رواية أبي نُعيم لا تدلّ على الصحّة.
الثاني: أنّ هذا كذب موضوع باتّفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه وردّه.
الثالث: أنّ هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبيّ صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، فإنّ قوله: (أنا المنذر، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون) ظاهره أنّهم بك يهتدون دوني، وهذا لا يقوله مسلم؛ فإنّ ظاهره أنّ النذارة والهداية مقسومة بينهما، فهذا نذيرٌ لا يُهتدى به، وهذا هاد، [وهذا] لا يقوله مسلم.
الرابع: أنّ اللّه تعالى قد جعل محمّداً هادياً فقال: (وإنّك لتهدي إلى صراط مّستقيم * صراط اللّه) [سورة الشورى: 52 و 53] فكيف يُجعل الهادي مَن لم يوصف بذلك دون مَن وُصف به؟!
الخامس: أنّ قوله: (بك يهتدي المهتدون) ظاهره أنّ كلّ من اهتدى من أُمّة محمّد فبه اهتدى، وهذا كذب بيّن؛ فإنّه قد آمن بالنبيّ صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم خلق كثير، واهتدوا به، ودخلوا الجنّة، ولم يسمعوا من عليّ كلمة واحدة، وأكثر الّذين آمنوا بالنبيّ صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم واهتدوا به، لم يهتدوا بعليٍّ في شيء.
وكذلك لمّا فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة وغيرهم، كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من عليٍّ شيئاً، فكيف يجوز أن يُقال: بك يهتدي المهتدون؟!
السادس: أنّه قد قيل معناه: إنّما أنت نذير ولكلّ قوم هاد، وهو اللّه تعالى، وهو قول ضعيف. وكذلك قول من قال: أنت نذير وهاد لكلّ قوم، قول ضعيف. والصحيح أنّ معناها: إنّما أنت نذير، كما أرسل من قبلك نذيرٌ، ولكلّ أُمّة نذير يهديهم أي يدعوا، كما في قوله: (وإن مّنْ أُمّة إلاّ خلا فيها نذيرٌ) [سورة فاطر: 24]، وهذا قول جماعة من المفسّرين، مثل قتادة وعكرمة وأبي الضحى وعبدالرحمن بن زيد.
قال ابن جرير الطبري: (حدّثنا بشر، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيد، عن قتادة.
وحدّثنا أبو كريب، حدّثنا [وكيع، حدّثنا] سفيان، عن السدّي، عن عكرمة ومنصور، عن أبي الضحى: (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) قالا: محمّد هو المنذر وهو الهادي.
حدّثنا يونس، حدّثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: لكلّ قوم نبيّ. الهادي: النبيّ والمنذر: النبيّ أيضاً. وقرأ: (وإن مّنْ أُمّة إلاّ خلا فيها نذيرٌ) [سورة فاطر: 24]، وقرأ: (نذيرٌ من النّذر الأُولى) [سورة النجم: 56]، قال: نبيّ من الأنبياء.
حدّثنا بشّار، حدّثنا أبو عاصم، حدّثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: المنذر: محمّد، (ولكل قوم هاد) قال: نبيُّ.
وقوله: (يوم ندعو كلّ أُناس بإمامهم) [سورة الإسراء: 71] إذ الإمام [هو ]الذي يؤتمّ به، أي يُقتدى به. وقد قيل: إنّ المراد به هو اللّه الذي يهديهم، والأوّل أصحّ.
وأمّا تفسيره بعليٍّ فإنّه باطل، لأنّه قال: (ولكلّ قوم هاد)، وهذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فيتعدد الهداة، فكيف يُجْعل عليٌّ هادياً لكلّ قوم من الأوّلين والآخرين؟!
السابع: أنّ الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تأميره عليهم، كما يهتدى بالعالِم، وكما جاء في الحديث الذي فيه: أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم فليس هذا صريحاً في أن الإمامة كما زعمه هذا المفتري.
الثامن: أنّ قوله (ولكلّ قوم هاد) نكرة في سياق الإثبات، وهذا لا يدلّ على معيّن، فدعوى دلالة القرآن على عليٍّ باطل، والاحتجاج بالحديث ليس احتجاجاً بالقرآن، مع أنّه باطل.
التاسع: أنّ قوله: (كلّ قوم) صيغة عموم، ولو أُريد أنّ هادياً واحداً للجميع لقيل: لجميع الناس هاد. لا يقال: (لكلّ قوم)، فإنّ هؤلاء القوم [غير هؤلاء القوم]، وهو لم يقل: لجميع القوم، ولا يقال ذلك، بل أضاف (كلاًّ) إلى نكرة، لم يضفه إلى معرفة.
كما في قولك: (كلّ الناس يعلم أنّ هنا قوماً وقوماً متعدّدين، وأنّ كلّ قوم لهم هاد ليس هو هادي الآخرين). وهذا يبطل قول من يقول: [إنّ] الهادي هو اللّه تعالى، ودلالته على بطلان قول من يقول: (هو عليٌّ) أظهر»(1).
(1) منهاج السُنّة 7 : 139 ـ 143.