2 ـ رواية الخطيب البغدادي:
قال: «أنبأنا عبداللّه بن عليّ بن محمّد بن بشران(1)، أنبأنا عليّ بن عمر الحافظ، حدّثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيّوب الخلاّل، حدّثنا عليّ بن سعيد الرملي، حدّثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال:
من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً، وهو يوم غدير خمّ، لمّا أخذ النبيّ صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم بيد عليّ بن أبي طالب، فقال: ألست وليّ المؤمنين؟!
قالوا: بلى يا رسول اللّه.
قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.
فقال عمر بن الخطّاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب،أصحبت مولاي ومولى كلّ مسلم.
فأنزل اللّه: (اليوم أكملت لكم دينكم).
ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستّين شهراً، وهو أوّل يوم نزل جبريل على محمّد صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم بالرسالة.
اشتهر هذا الحديث من رواية حبشون، وكان يقال إنّه تفرّد به.
وقد تابعه عليه أحمد بن عبداللّه بن النيري، فرواه عن عليّ بن سعيد، أخبرنيه الأزهري، حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن أخي ميمي، حدّثنا أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن العبّاس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري ـ إملاءً ـ، حدّثنا عليّ بن سعيد الشامي، حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة… وذكر مثل ما تقدّم أو نحوه»(2).
الطريق الأوّل:
* أمّا «ابن بشران»، المتوفّى سنة 415، فقد ترجم له الخطيب نفسه:
قال: «عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن بشران بن محمّد بن بشر بن مهران بن عبداللّه. أبو الحسين الأُموي المعدّل… كتبنا عنه، وكان صدوقاً ثقة ثبتاً، حسن الأخلاق، تامّ المروءة، ظاهر الديانة… وكانت وفاته… سنة 415…»(3).
وقال الذهبي: «الشيخ العالم المعدّل المسند، أبو الحسين عليّ بن محمّد….
روى شيئاً كثيراً على سداد وصدق وصحّة رواية، كان عدلاً وقوراً…»(4).
* وأمّا «عليّ بن عمر الحافظ» فهو الدارقطني، المتوفّى سنة 385:
قال الخطيب: «كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة، مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحّة الاعتقاد وسلامت المذهب….
سمعت القاضي أبا الطيّب الطبري يقول: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث…»(5).
وقال ابن الجوزي: «قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة بالقراءات والنحو والفقه والشعر، مع الأمانة والعدالة وصحّة العقيدة»(6).
وقال الذهبي: «الدارقطني الإمام الحافظ المجوّد، شيخ الإسلام، علم الجهابذة… كان من بحور العلم ومن أئمّة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله…»(7).
* وأمّا «أبو نصر حبشون» ورجال السند إلى آخره، فسيأتي الكلام عليهم عند البحث مع ابن كثير….
الطريق الثاني:
* أمّا «الأزهري»، أبو القاسم عبيداللّه بن أحمد البغدادي، المتوفّى سنة 435، فقد ترجم له الخطيب نفسه:
قال: «كان أحد المعنيّين بالحديث والجامعين له، مع صدق وأمانة وصحّة واستقامة ودوام درس القرآن، سمعنا منه المصنّفات الكبار، ومات في صفر سنة 435»(8).
* وأمّا «محمّد بن عبداللّه ابن أخي ميمي»، الدقّاق، المتوفّى سنة 390:
قال الخطيب: «كان ثقة مأموناً، ديّناً فاضلاً»(9).
وقال الذهبي: «الشيخ الصدوق المسند… أحد الثقات…»(10).
* وأمّا «أحمد بن عبداللّه، المعروف بابن النيري»، المتوفّى سنة 320:
قال الخطيب: «ثقة»(11).
وقال ابن كثير: «صدوق»(12).
* وأمّا «عليّ بن سعيد الشامي» وبقية رجال السند، فسيأتي الكلام عليهم.
تنبيه:
لا يخفى أنّ الخطيب البغدادي لم يتكلّم على سند هذا الحديث، بل سياق كلامه ـ حين سكت عن الطعن فيه بشيء، بل ذكر المتابعة ـ اعتقاده بصحّته، وتأكيده على ذلك.
والخطيب البغدادي قال الذهبي بترجمته: «الخطيب، الإمام الأوحد، العلاّمة المفتي، الحافظ الناقد، محدّث الوقت، وخاتمة الحفّاظ… كتب الكثير، وتقدّم في هذا الشأن، وبذّ الأقران، وجمع وصنّف، وصحّح وعلّل، وجرّح وعدّل، وأرّخ وأوضح، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق»… ثمّ ذكر كلمات الأئمّة في مدحه وإطرائه والثناء الجميل عليه بما يطول ذِكره(13).
(1) كذا، والصحيح: عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن بشران، كما ستعرف.
(2) تاريخ بغداد 8 : 290.
(3) تاريخ بغداد 12 : 98.
(4) سير أعلام النبلاء 17 : 311.
(5) تاريخ بغداد 12 : 34.
(6) المنتظم 14 : 380.
(7) سير أعلام النبلاء 16 : 449.
(8) تاريخ بغداد 10 : 385.
(9) تاريخ بغداد 5 : 469.
(10) سير أعلام النبلاء 16 : 564.
(11) تاريخ بغداد 4 : 227.
(12) البداية والنهاية 5 : 214.
(13) سير أعلام النبلاء 18 : 270 ـ 297.