1 ـ رواية أبي نعيم الأصفهاني:
قال: «حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثني يحيى الحماني، قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اللّه عنه ـ: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم دعا الناس إلى عليٍّ عليه السلام في غدير خمّ، وأمر بما تحت الشجر من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا عليّاً، فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إبطَي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي وبالولاية لعليٍّ من بعدي.
ثمّ قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
فقال حسّان بن ثابت: ائذن لي يا رسول اللّه أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ.
فقال: قل على بركة اللّه.
فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش! أتبعها قولي بشهادة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم في الولاية ماضية.
ثمّ قال:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمّ وأسمع بالغدير المناديا
يقول: فمن مولاكم ووليّكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت وليّنا *** ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا عليّ فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
هناك دعا اللّهمّ والِ وليّه *** وكن للذي عادى عليّاً معاديا»(1)
* أمّا «محمّد بن أحمد بن عليّ بن مخلّد» فهو المعروف بابن محرم، المتوفّى سنة 357، من أعيان تلامذة ابن جرير الطبري وملازميه:
قال الدارقطني: لا بأس به(2).
وكذا قال أبو بكر البرقاني(3).
ووصفه الذهبي بالإمام المفتي المعمّر(4).
وربّما تُكلّم فيه لوجود بعض الأحاديث المناكير في كتبه.
قلت:
لعلّهم يقصدون من ذلك هذا الحديث وأمثاله من المناقب.
* وأمّا «محمّد بن عثمان بن أبي شيبة» فقد تقدّم.
* وأمّا «يحيى الحماني» فهو من رجال مسلم في صحيحه، ومن مشايخ أبي حاتم ومطيّن وأمثالهما من كبار الأئمّة.
وحكى غير واحد منهم عن يحيى بن معين قوله فيه: «صدوق ثقة» وكذا وثّقه جماعة من أعلام الجرح والتعديل، قالوا: وهؤلاء ـ الّذين يتكلّمون فيه ـ يحسدونه… وأيضاً: ذكروا أنّه كان لا يحبّ عثمان، ويقول عن معاوية: «كان معاوية على غير ملّة الإسلام»(5).
* وأمّا «قيس بن الربيع» فمن رجال أبي داود والترمذي وابن ماجة.
قال الحافظ: «صدوق، تغيّر لمّا كبر…»(6).
* وأمّا «أبو هارون العبدي» فهو: عمارة بن جوين، من مشاهير التابعين، ومن رجال البخاري في خلق أفعال العباد، والترمذي، وابن ماجة، ومن مشايخ الثوري والحمّادين وغيرهم من الأئمّة… وقد تكلّم فيه بعضهم لتشيعّه.
قال ابن عبدالبرّ: «كان فيه تشيّع، وأهل البصرة يفرطون فيمن يتشيّع بين أظهرهم لأنّهم عثمانيّون»، فقال ابن حجر بعد نقل هذا الكلام: «قلت: كيف لا ينسبونه إلى الكذب، وقد روى ابن عديّ في الكامل عن الحسن بن سفيان، عن عبدالعزيز بن سلام، عن عليّ بن مهران، عن بهز بن أسد، قال: أتيت إلى أبي هارون العبدي، فقلت: أخرج إليّ ما سمعت من أبي سعيد.
فأخرج لي كتاباً، فإذا فيه: حدّثنا أبو سعيد: إنّ عثمان أُدخل حفرته وإنّه لكافر باللّه.
قال: قلت: تقرّ بهذا؟!
قال: هو كما ترى!
قال: فدفعت الكتاب في يده وقمت»(7).
ومن هنا قال الحافظ في التقريب: «متروك، ومنهم من كذّبه، شيعي»(8).
لكن الرجل ليس بمتروك، فقد ورد حديثه في كتاب من كتب البخاري، وفي اثنين من الصحاح، كما أنّ رميه بالكذب قد عرف السبب فيه، وهو التشيّع، وهو ليس بضائر بالوثاقة كما تقرّر عندهم في كتب رواية الحديث.
تنبيه:
هذا، وإنّ المفتري تعرّض لرواية أبي نعيم هذه، فأوردها مبتورةً منقوصةً، كما أنّه لم يتكلّم على سندها بشيء، ممّا يدلّ على إذعانه بصحّتها، ومع ذلك زعم أنّه: «قد ثبت أنّ الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم وهو واقف بعرفة قبل يوم الغدير بسبعة أيّام».
لكنّ لحديث نزولها في يوم الغدير أسانيد معتبرة أُخرى أيضاً.
(1) خصائص الوحي المبين: 61 ـ 62، عن كتاب ما نزل في عليّ من القرآن ـ لأبي نعيم الحافظ الأصفهاني ـ.
(2) سير أعلام النبلاء 16 : 61.
(3) تاريخ بغداد 1 : 321، شذرات الذهب 3 : 26.
(4) سير أعلام النبلاء 16 : 60.
(5) راجع: تهذيب التهذيب 11 : 213 ـ 218.
(6) تقريب التهذيب 2 : 128.
(7) تهذيب التهذيب 7 : 361 ـ 362.
(8) تقريب التهذيب 2 : 49.