وأمّا الآية الثالثة والآية الرابعة:
فإنّهما واردتان ـ بحسب الرواية عند الفريقين ـ في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب، من جهة. وفي: الوليد وعتبة وشيبة، من جهة اُخرى.
فما الباعث على تكذيب الخبر؟ وهل من شك في أنّ «المتّقين» هم علي وصاحباه، و«الفجّار» هم: الوليد وصاحباه؟ وهل من شك في أنّ اللّه تعالى لا يجعل «المتّقين كالفجّار»؟
وأيضاً: هل من شك في أنّ الوليد وعتبة وشيبة «اجترحوا السيئات» وأنّ عليّاً وحمزة وعبيدة «عملوا الصالحات»؟ وأنّ اللّه لا يجعل «سواء محياهم ومماتهم»؟
ساء ما يحكم النواصب!!
وأمّا التذرّع بما قيل في «محمّد بن السائب الكلبي» فلا يفيد، لأنّ هذا الرجل من رجال صحيحي: الترمذي وابن ماجة في التفسير ـ كما في تهذيب التهذيب الذي أحال إليه المتقوّل ـ وقد ذكر ابن حجر عن ابن عدي: «هو معروف بالتفسير، وليس لأحد أطول من تفسيره، وحدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير، وأمّا في الحديث ففيه مناكير ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه».
ونقل عن الساجي قوله: «متروك الحديث، وكان ضعيفاً جدّاً، لفرطه في التشيع، وقد اتفق ثقات أهل النقل على ذمّه وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع»(1).
وعلى الجملة، فإنّ الرجل مرضيّ عندهم في التفسير، وبحثنا في التفسير لا الأحكام، وإن كان من ذم فهو «لفرطه في التشيّع»!!
على أنّه لابدّ من التحقيق في أن للخبر المذكور طريقاً آخر ليس فيه الكلبي أو لا؟
لكنّ ما ذكرناه كاف للإعتماد على هذا الخبر.
وقال الآلوسي بتفسير الآية: «وفي رواية اُخرى عن ابن عباس أخرجها ابن عساكر أنّه قال: الذين آمنوا: علي وحمزة وعبيدة بن الحارث ـ رضي اللّه تعالى عنهم ـ والمفسدين في الأرض: عتبة والوليد بن عتبة وشيبة. وهم الّذين تبارزوا يوم بدر.
قال الآلوسي: «ولعلّه أراد أنّهم سبب النزول»(2).
فلم يناقش لا من جهة السند ولا من جهة اُخرى.
هذا في الآية الثالثة.
وفي الآية الرابعة، أورد الفخر الرازي كلام الكلبي فقال: «قال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح(3) رضي اللّه عنهم، وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. قالوا للمؤمنين: واللّه ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولون حقاً لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما أنّا أفضل حالاً منكم في الدنيا، فأنكر اللّه عليهم هذا الكلام، وبيَّن أنّه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساوياً لحال الكافر العاصي، في درجات الثواب ومنازل السعادات»(4).
فلم يناقش لا من جهة السند ولا من جهة اُخرى.
(1) تهذيب التهذيب: 9 : 157.
(2) روح المعاني 23 : 189.
(3) هذا غلط أو تصحيف، فهو عبيدة بن الحارث.
(4) تفسير الرازي 27 : 266.