نتيجة البحث
إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وصف عليّاً عليه السلام بـ«الهادي» و«الراية» و«العَلَم» وغير ذلك من الأوصاف ممّا ذكرناه وما لم نذكره، وكلّها تشير إلى معنىً واحد ومقصد فارد، وهو كونه «القائد» و«المرشد» و«المتّبَع»… للأُمّة الإسلامية مِن بعده بلا فصل… وهذا هو معنى «الإمامة العامّة» و«الولاية المطلقة» و«الخلافة العظمى»….
ومن هذا الباب وصفه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بـ«قسيم الجنّة والنار»، وجعله ميزاناً ومعياراً يُعرف به المؤمن من المنافق والكافر، والحقّ من الباطل في أحاديث كثيرة.
وأيضاً: فقد كان عليه السلام حجّة للّه تعالى على خلقه، في حديث أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد(1)، وابن عساكر في تاريخ دمشق بأسانيد عن أنس عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم(2) ولم يتكلّم في سنده إلاّ في «مطر» راويه عن أنس؛ لكنّه من التابعين، ومن رجال ابن ماجة، والظاهر من كلماتهم أنّ السبب في ترك حديثه روايته الفضائل عن أنس بن مالك، فلا جرح في الرجل، غير أنّ رواياته ليست على هواهم، ولذا لمّا أورد الذهبي هذا الحديث في (الميزان) قال: «هذا باطل، والمتّهم به مطر، فإنّ عبيداللّه ثقة شيعي، ولكنّه أثم برواية هذا الإفك»(3)!
فمن هذا الكلام يظهر أنّ عبيداللّه بن موسى العبسي، الراوي عن «مطر» ثقة، و«مطر» نفسه لم يُرْمَ بشيء غير أنّ الحديث «باطل»!!
أمّا ابن حجر فلم يورد الرجل في لسان الميزان لكونه من رجال الصحاح الستّة.
وعلى الجملة، فقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يُعرّف أمير المؤمنين بالإمامة من بعده بشتّى الأساليب، فتارةً يصرّح في حقّه بالإمامة والوصاية ونحوهما، وأُخرى يصفه بالأوصاف المستلزمة لذلك، وأُخرى يشبّهه بما يفيده بكلّ وضوح… وهكذا.
وبهذا ظهر معنى الآية الكريمة، ومدلول الحديث الشريف، وكيفيّة استدلال أصحابنا بذلك في إثبات الإمامة….
وتبيّن الجواب عن التساؤلات المثارة حول الاستدلال، واندفاع الشبهات المذكورة.
ويبقى الكلام على المعارضات….
و«المعارضة» طريق علمي فنّي يسلكه العلماء في مختلف البحوث العلمية والمسائل الخلافية، لكنّها ـ كما هو واضح عندهم ـ فرع على «الحجيّة» وإلاّ فلا معنى لأن تعارض الحجّة باللاحجّة.
وقد احتجّ القوم في المقام بأحاديث، نذكرها ونبيّن أحوالها في الفصل الآتي.
(1) تاريخ بغداد 2 : 88.
(2) تاريخ مدينة دمشق 42 : 309.
(3) ميزان الاعتدال 4 : 127 ـ 128.