من أسانيد الحديث المعتبرة:
ثمّ إنّ جملةً من أسانيد الحديث صحيحة معتبرة، على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل المعتمدين عند القوم… من ذلك:
الحديث فى تفسير الحبري، الذي رواه الحافظ الحسكاني عن طريقه حيث قال:
«أخبرنا أبو محمّد الحسين بن عليّ بن محمّد الجوهري ـ قراءةً عليه ببغداد من أصله ـ حدّثنا أبو عبيداللّه محمّد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني ـ قراءةً عليه في شعبان سنة احدى والثلاثين ـ حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عبيداللّه الحافظ ـ قراءةً عليه في قطيعة جعفر ـ قال: حدّثني الحسين بن الحكم الحبري، حدّثنا حسن بن حسين، حدّثنا حِبّان بن عليّ، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس..»(1).
فأمّا الحسكاني فستأتي ترجمته.
وأمّا أبو محمّد الجوهري، المتوفّى سنة 454:
فقد قال الخطيب: «كتبنا عنه وكان ثقة أميناً كثير السماع»(2).
وقال ابن الجوزي: «كان ثقة أميناً»(3).
وقال ابن الأثير: «بغدادي، ثقة، مكثر»(4).
وأمّا المرزباني، المتوفّى سنة 384:
فقد ذكر الخطيب: ليس حاله عندهم الكذب، وأكثر ما عيب عليه مذهبه، وتدليسه للإجازة(5).
وقال العتيقي: «كان معتزليّاً ثقة»(6).
وأمّا أبو الحسن عليّ بن محمّد المذكور، المتوفّى سنة 330:
فقد ترجمه الخطيب كذلك وقال: «روى عنه الدارقطني ومن بعده، وحدّثنا عنه أبو الحسين بن المتيّم، وكان ثقة أميناً، حافظاً عارفاً.
أخبرني عبيداللّه بن أبي الفتح، عن طلحة بن محمّد بن جعفر، قال: مات أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عبيدالحافظ الثقة، في شوّال سنة 330 وكان عنده بيت علم»(7).
و«قطيعة جعفر» محلّة من محلاّت بغداد كان يسكنها.
وأمّا الحبري، المتوفّى سنة 286: فهو ثقة عند الحاكم والذهبي، بل حكما بالصحّة على شرط الشيخين لِما هو في سنده(8).
وأمّا حسن بن حسين: فهو العرني الكوفي، وهو أيضاً من رجال المستدرك حيث روى عنه وحكم بصحّة الحديث، ووافقه الذهبي في تلخيصه(9)… وتكلّم بعضهم فيه لأجل تشيّعه غير مسموع.
وأمّا حِبّان بن عليّ، المتوفّى سنة 171: فمن رجال ابن ماجة.
وقال ابن خراش: «قال يحيى بن معين: حبّان بن عليّ ومندل بن عليّ صدوقان».
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن سليمان بن أبي شيخ، عن حجر ابن عبدالجبّار بن وائل بن حجر: «ما رأيت فقيهاً بالكوفة أفضل من حبّان ابن عليّ».
وقال عبداللّه بن أحمد، عن أبيه: «حِبّان أصحّ حديثاً من مندل».
وقال الخطيب: «كان صالحاً ديّناً».
وقال العجلي: «صدوق».
وذكره ابن حبّان في الثقات.
وقال الذهبي ـ بعد كلام من ضعّفه ـ: «قلت: لكنّه لم يترك»(10).
وأمّا الكلبي، فهو محمّد بن السائب، المتوفّى سنة 146: وهذا الرجل ـ وإن تكلّم فيه بعضهم ـ من رجال أبي داود والترمذي وابن ماجة.
وقال ابن حجر، عن ابن عديّ: «حدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير».
فيظهر من مجموع كلماتهم أنّ الطعن عليه يختصّ بأحاديثه في غير التفسير، أمّا في التفسير فمرضيّ عندهم، وقد روى عنه أكابر الأئمّة، كسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعبداللّه بن المبارك، وابن جريج، وشعبة، ومحمّد بن إسحاق، وغيرهم(11)، وفيهم من لا يروي إلاّ عن ثقة، كشعبة بن الحجّاج، كما ذكروا بتراجمه.
وأمّا أبو صالح: فهو باذام مولى أُمّ هانئ بنت أبي طالب عليه السلام، وهو من رجال أربعة من الكتب الستّة، ووثّقه غير واحد من الأئمّة.
وعن يحيى القطّان: لم أرَ أحداً من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أُمّ هانئ»(12).
وهذا القدر يكفينا للاحتجاج بحديثه.
وتكلّم فيه بعضهم لأجل التدليس.
أقول:
وهكذا يمكن تصحيح غيره من الأسانيد… ولكنّا لضيق المجال نرجئ ذلك إلى وقت آخر، فنكتفي بما ذكرناه، وبتصحيح السند الذي طعن فيه ابن الجوزي. وباللّه التوفيق.
* * *
(1) تفسير الحبري: 326، شواهد التنزيل 2 : 308 / 1057.
(2) تاريخ بغداد 7 : 393.
(3) المنتظم 16 : 77.
(4) اللباب في تهذيب الأنساب 1 : 313.
(5) تاريخ بغداد 3 : 136.
(6) سير أعلام النبلاء 16 : 448.
(7) تاريخ بغداد 12 : 73 ـ 74.
(8) المستدرك على الصحيحين وتلخيصه 1 : 13 و 507، 3 : 138 و 151 و 211.
(9) المستدرك على الصحيحين وتلخيصه 3 : 211.
(10) تهذيب الكمال 5 : 339، تاريخ بغداد 8 : 255، ميزان الاعتدال 1 : 449.
(11) تهذيب الكمال 25 : 246، تهذيب التهذيب 9 : 159، طبقات المفسّرين 2 : 149.
(12) تهذيب الكمال 4 : 7.