مع صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية(1):
وقال صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية في ذِكر أدلّة الإمامية: «ومنها: قوله تعالى: (وقفوهم إنّهم مسؤولون)، قالت الشيعة في الاستدلال بها: روي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً أنّه قال: (وقفوهم إنّهم مسؤولون) عن ولاية عليّ بن أبي طالب.
ولا يخفى أنّ نحو هذا التمسّك في الحقيقة بالروايات لا بالآيات، وهذه الرواية واقعة في فردوس الديلمي الجامع للأحاديث الضعيفة الواهية، ومع هذا قد وقع في سندها الضعفاء والمجاهيل الكثيرون، بحيث سقطت عن قابلية الاحتجاج بها، لا سيّما في هذه المطالب الأُصولية. ومع هذا فإنّ نظم الكتاب مكذّب لها؛ لأنّ هذا الحكم في حقّ المشركين… ولئن سلّمنا صحّة الرواية وفكّ النظم القرآني يكون المراد بالولاية المحبّة، وهي لا تدلّ على الزعامة الكبرى التي هي محلّ النزاع، ولو كانت الزعامة الكبرى مرادةً أيضاً لم تكن هذه الرواية مفيدة للمدّعي؛ لأنّ مفاد الآية وجوب اعتقاد إمامة الأمير في وقت من الأوقات، وهو عين مذهب أهل السُنّة…»(2).
أقول:
أوّلاً: لم يذكر هذا الرجل وجه استدلال أصحابنا بالآية المباركة، وقد تقدّمت عبارة العلاّمة الحلّي في وجهه، فما هو الجواب؟!
وثانياً: لم يقل أحد من أصحابنا بأنّ الاستدلال لإمامة الأمير هو بالآيات وحدها، وكذا لم يدّع أحد من المخالفين دلالة شيء من القرآن الكريم وحده على إمامة غيره، وإنّما يكون الاستدلال بالآيات بمعونة الروايات المفسّرة لها.
وثالثاً: لم تكن الرواية منحصرةً بما في فردوس الأخبار، وبما عن أبي سعيد الخدري….
فكلّ ما ذكره إلى هنا ما هو إلاّ تلبيس وتخديع.
ورابعاً: الاستدلال بالنظم القرآني وسياق الآيات الكريمة لا يقاوم الاستدلال بالسُنّة النبوية الشريفة الواردة عن طرق الفريقين في تفسيرها، وبعبارة أُخرى: فإنّه متى قام الدليل على معنى آية من الآيات، فإنّه بالدليل تُرفع اليد عن مقتضى السياق، ولا يجوز العكس بالإجماع.
وخامساً: قد تقدّم وجه استدلال العلاّمة الحلّي بالآية المباركة، وما ذكره هذا الرجل لا يصلح للجواب عنه كما هو واضح.
وسادساً: دعوى أنّ المفاد إمامة أمير المؤمنين عليه السلام في وقت من الأوقات، لِيُقال بأنّ وقتها هو بعد عثمان، تخالف ظواهر الروايات، وتتوقّف كذلك على ثبوت إمامة المشايخ قبله، ولا دليل عليها ألبتّة.
هذا تمام الكلام على استدلال أصحابنا الكرام بقوله تعالى: (وقفوهم إنّهم مسؤولون)، ونقد ما اعترض به المعترضون، فأيّهما أحرى بالأخذ وأَولى بالقبول يا منصفون!!
* * *
(1) محمود شكري الآلوسي البغدادي.
(2) مختصر التحفة الاثني عشرية: 177 ـ 178.