قوله تعالى: (… يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال رجال…)(1).
قال السيّد:
ورجال التسبيح الذين قال اللّه تعالى: (يسبح له فيها بالغدوّ والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّبُ فيه القلوبٌ والأبصار). و بيوتهم هي التي ذكرها اللّه عزّ وجلّ فقال: (في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه)(2).
فقال في الهامش:
عن تفسير مجاهد ويعقوب بن سفيان عن ابن عبّاس في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً)(3) أن دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند أحجار الزيت، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه، فنفر الناس إليه وتركوا النبيّ قائماً يخطب على المنبر، إلاّ علياً والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأبا ذر والمقداد. فقال النبيّ: لقد نظر اللّه إلى مسجدي يوم الجمعة، فلولا هؤلاء لأضرمت المدينة على أهلها ناراً وحصبوا بالحجارة كقوم لوط. وأنزل اللّه فيمن بقي مع رسول اللّه في المسجد قوله تعالى: (يسبّح له فيها…).
(وقال): أخرج الثعلبي في معنى الآية من تفسيره الكبير، بالإسناد إلى أنس بن مالك وبريد قالا: قرأ رسول اللّه هذه الآية (في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه) فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول اللّه، هذا البيت منها ـ وأشار إلى بيت علي وفاطمة ـ قال: نعم من أفاضلها. وفي الباب 12 من غاية المرام تسعة صحاح ينشق منها عمود الصباح(4).
فقيل:
سبب نزول هذه الآية أن رسول اللّه كان يخطب يوم الجمعة، إذ أقبلت عير قد قدمت، فخرجوا إليها، حتّى لم يبق معه إلاّ اثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية. أخرج ذلك البخاري 8 / 493 ومسلم 2 / 590 من حديث جابر بن عبداللّه. وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا زكريا بن يحيى، حدثنا هشيم، عن حصين عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان، عن جابر بن عبداللّه قال: بينما النبيّ يخطب يوم الجمعة فقدمت عير إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول اللّه حتى لم يبق مع رسول اللّه إلاّ اثنا عشر رجلاً. فقال رسول اللّه: والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتّى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي ناراً. ونزلت هذه الآية: (وإذا رأوا تجارةً أو لهواً).
وليس يصح ما ادّعاه المؤلّف، من أنه لم يبق في المسجد إلاّ علي والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأبو ذر والمقداد. وعلائم الوضع بادية على هذا الكلام لا تحتاج إلى علم غزير أو طول بحث، ولم يكن الحسن والحسين ممّن تجب عليهم الجمعة في حياة الرسول.
وهؤلاء الشيعة من دأبهم أنهم يعمدون إلى حادثة مشهورة أو حديث معروف، فيحرّفونه بالحذف والزيادة بشكل سافر مكشوف بعيد عن الكياسة والذوق، من أجل نصرة حججهم ودعاويهم.
أقول:
ما كان من فرق بين نقل السيد ونقل هذا المفتري، في سبب نزول الآية المباركة، وقد جاء في كلا النقلين خروج الأصحاب من المسجد والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يخطب، وأنّه لم يبق معه إلاّ عدّة قليلة، وأنّ النبيّ أخبر أن لو خرجت تلك العدّة أيضاً لجرى في المدينة كذا وكذا.
لقد ذكرت أحاديث القوم الصحيحة عندهم أنه لم يبق إلاّ اثنا عشر، ولم يصرّح فيها بأسمائهم.
وجاء الخبر الذي ذكره السيّد مصرّحاً بأسماء من بقي معه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وهذا هو الفرق، وهذا ما لا يطيقه اتباع بني أُميّة!
والعجيب أنّه يتهّمون الإمامية بتحريف مثل هذا الخبر بزيادة الأسماء فيه، مع أنّهم المتهّمون بتحريفه، بعدم ذكر أسماء الاثني عشر الذين رووا أنّهم بقوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. وباللّه عليك! هل كانوا يكتمون الأسامي لو كان في الباقين مع رسول اللّه واحد من أوليائهم في خبر صحيح، من أخبار القضيّة؟!
وأمّا الخبر في تفسير «البيوت» فقد أخرج السيوطي عن ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة، قالا: «قرأ رسول اللّه هذه الآية (في بيوت أذن اللّه أن ترفع)فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه؟ قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول اللّه، هذا البيت منها؟ لبيت علي وفاطمة. قال: نعم من أفاضلها»(5).
وذكره الآلوسي بتفسير الآية فقال: «وهذا إن صح لا ينبغي العدول عنه»(6).
أقول:
ولو كان عنده دليل على عدم صحته لجاء به!!
هذا، وقد علم أن روايته لا تنحصر بالثعلبي، مع أن في روايته الكفاية، في مقام الاحتجاج، لكونه من كبار مفسريهم السابقين.
* * *
(1) سورة النور 24 : 36 ـ 37.
(2) سورة النور 24 : 36 ـ 37.
(3) سورة الجمعة 62 : 11.
(4) المراجعات: 32 ـ 33.
(5) الدر المنثور في التفسير المأثور 6 : 203.
(6) روح المعاني 18 : 174.