قوله تعالى: (و أنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لا تتّبعوا السُبل فتفرّق بكم عن سبيله)(1).
قال السيّد رحمه اللّه:
«وصراط اللّه الذي قال: (وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه) وسبيله الذي قال: (ولا تتّبعوا السُبُل فتفرّق بكم عن سبيله)».
فقال في الهامش:
«كان الباقر والصّادق يقولان: الصراط المستقيم هنا هو الإمام، ولا تتّبعوا السُبل، أي: أئمّة الضلال، فتفرّق بكم عن سبيله، ونحن سبيله»(2).
فقيل:
«من أين الدليل على أنّ قول الباقر والصادق هنا صحيح؟ وأهل السُنّة والجماعة يعتقدون أنّ هذا من الكذب على الباقر والصادق رضي اللّه عنهما، وحبّذا لو ذكر المؤلّف سند هذه الرواية، لكنّه يعلم أنّها غير مقبولة، فلعلّه أسقطها، أو أنّ الكلام مجرّد تفسير بالهوى منسوب زوراً للباقر والصادق».
أقول:
إنّه لا يطعن فى إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام إلاّ أهل النفاق أعداء الدين ورسول ربّ العالمين….
وأمّا أنّ «أهل السُنّة والجماعة يعتقدون أنّ هذا من الكذب على الباقر والصّادق» فكذب على «أهل السُنّة والجماعة»، اللّهمّ إلاّ أهل سُنّة بني أُميّة وجماعة الظالمين لأهل بيت الرسالة، فإنّ أُولئك «جماعة» لا يجتمع في قلوبهم حبّ آل محمّد مع «السُنّة» الأُمويّة، وتسنّنهم بها، فضلاً عن أنّ يرووا فضائلهم ومناقبهم!
وأمّا هذه الرواية، فلها أسانيد لا سند واحد، يجدها من راجع كتب التفسير للشيخ علي بن إبراهيم القمّي(3)، وللشيخ فرات الكوفي(4)، وللشيخ العيّاشي(5)، وغيرها من تفاسير قدماء الإماميّة ومتأخّريهم، وهي أيضاً في كتب الفضائل والمناقب كبصائر الدرجات(6) للصفّار القمّي، وفي تأويل الآيات الظاهرة في ما نزل في العترة الطاهرة(7).
ولماذا لا تكون هذه الرواية مقبولة؟!
أليس أهل البيت السبيل إلى اللّه؟
أليس من تمسّك بهم نجا ومن تخلّف عنهم هوى؟! كما دلّت على ذلك الأحاديث الصحيحة المقبولة، كحديث «إنّي تارك فيكم الثقلين…» وحديث: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح…» وحديث: «من سرّه أن يحيا حياتي…» هذه الأحاديث التي تقدّم البحث عنها بالتفصيل في بحوثنا السابقة.
وإنّ لهذه الرواية المعتبرة المرويّة عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، شواهد كثيرة جدّاً، اتّفق الإماميّة وأهل السُنّة على روايتها، ولا يكذّب بها إلاّ المغرضون، الّذين في قلوبهم مرض فهم لا يهتدون!
إنّ من الأحاديث الآمرة باتّباع سبيل عليّ وأهل البيت عليهم السلام، الناهية عن اتّباع سبيل غيرهم كما هو مضمون الرواية عن الإمامين عليهما السلام:
* قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعمّار بن ياسر ـ رضي اللّه عنه ـ في حديث: «يا عمّار، إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع عليّ، فإنّه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى»(8).
* قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأُمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين»(9).
وكما أمر صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بلزوم أهل بيته وسلوك مسلكهم واتّباعهم كذلك نهى عن مفارقتهم، من ذلك:
* قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يا عليّ، من فارقني فقد فارق اللّه، ومن فارقك ـ يا عليّ ـ فقد فارقني»(10).
هذا، وسيوافيك المزيد من الأحاديث المعتبرة في هذا المعنى في بحوثنا الآتية، فانتظر.
* * *
(1) سورة الأنعام 6 : 153.
(2) المراجعات: 27.
(3) تفسير القمي 1 : 221.
(4) تفسير فرات الكوفي: 137 / 163.
(5) تفسير العياشي 2 : 127 / 1520.
(6) بصائر الدرجات: 99 / 9.
(7) تأويل الآيات الظاهرة 1 : 167 / 9 ـ 10.
(8) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 13 : 187، وابن عساكر ـ بترجمة أمير المؤمنين ـ من تاريخ دمشق 42 : 472، والمتّقي الهندي في كنز العمال 11 : 613 / 32972.
(9) أخرجه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 4 : 1744، وابن الأثير في أُسد الغابة 5 : 270.
(10) أخرجه الحاكم وصحّحه 3 : 123 ـ 124، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 135 وقال: رجاله ثقات، ورواه غيرهما.