قوله تعالى: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى)(1).
قال السيّد:
«ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً، مشروطة بالاهتداء إلى ولايتهم، إذ يقول: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى)؟!».
فقال في الهامش:
«قال ابن حجر في الفصل الأوّل من الباب 11 من صواعقه ما هذا لفظه: الآية الثامنة قوله تعالى: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى) قال: قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية أهل بيته صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم.
قال: وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً.
ثمّ روى ابن حجر أحاديث في نجاة من اهتدى إليهم عليهم السلام.
وقد أشار بما نقله عن الباقر إلى قول الباقر عليه السلام للحارث بن يحيى: يا حارث! ألا ترى كيف اشترط اللّه، ولم تنفع إنساناً التوبة ولا الإيمان ولا العمل الصالح حتّى يهتدي إلى ولايتنا.
ثمّ روى عليه السلام بسنده إلى جدّه أمير المؤمنين، قال: واللّه لو تاب رجل وآمن وعمل صالحاً ولم يهتد إلى ولايتنا ومعرفة حقّنا ما أغنى ذلك عنه شيئاً. انتهى.
وأخرج أبو نعيم الحافظ، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، عن علي، نحوه.
وأخرج الحاكم عن كلٍّ من الباقر والصادق وثابت البناني وأنس بن مالك، مثله»(2).
فقيل:
«هذه الآية من سورة طه، وهي مكّية، نزلت حيث لم يكن علي رضي اللّه عنه عنه قد تزوّج بفاطمة، ولم ينقل هذا الرأي عن غير ثابت البناني، وعلى فرض صحّة النقل إلى ثابت البناني، فمن أدرانا أنّه يريد بـ«أهل بيته صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم» ما تريده الرافضة، من قصر مدلوله على أبناء علي وفاطمة فحسب.
أمّا الأحاديث التي رواها ابن حجر في صواعقه، فقد أشار إليها المؤلّف إشارةً مجملة، وهي أحاديث هالكة لا يحتجّ بها، ومنها: ما أخرجه الديلمي مرفوعاً: إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ اللّه فطمها ومحبّيها عن النار. قال فيه ابن الجوزي: فيه محمّد بن زكريا الفلابي(3) وهو من عمله. وقال ابن عراق: وفيه أيضاً: بشر بن إبراهيم الأنصاري. وجاء من حديث علي: قلت: يا رسول اللّه، لم سمّيت فاطمة؟ قال إنّ اللّه فطمها وذرّيّتها عن النار يوم القيامة. أخرجه ابن عساكر، وفي سنده من ينظر فيه. واللّه أعلم. تنزيه الشريعة 1 / 413».
أقول:
إنّ «أهل البيت» بمقتضى الكتاب ـ كما في آية التطهير ـ هم: النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وكذا سائر الأئمّة الاثني عشر، بمقتضى حديث الثقلين وحديث السفينة، ومن هنا صرّح غير واحد من حفّاظ القوم ـ بشرح الحديثين ـ بضرورة وجود من يكون منهم أهلاً للتمسّك به والاهتداء والنجاة به في كلّ زمان.
فهذا ما دلّت عليه آيات الكتاب وأحاديث السُنّة النبويّة القطعيّة، وليس شيئاً ترتئيه أو تريده الشيعة، كما أنّه ليس مقصوراً على أبناء علي وفاطمة ـ أي الحسن والحسين ـ فحسب، كما جاء في كلام المفتري.
وحينئذ نقول: إنّ اللّه تعالى جعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً مشروطة بالاهتداء إلى ولاية أهل البيت، سواء كان أهل البيت كلّهم أو بعضهم موجودين في عصر المهتدي إلى ولايتهم أو لا، كما في زماننا إذ لا يوجد منهم إلاّ المهدي عليه السلام وهو غائب.
إنّ الاهتداء إلى ولاية أهل البيت كالاهتداء إلى الإيمان برسالة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، من حيث إنّ الواجب على كلّ فرد مسلم هو الإيمان برسالته، وبكونه الأَولى بالمؤمنين من أنفسهم، والاقتداء به في جميع الأحوال، سواء كان معاصراً له أو في زمان متأخّر.. إلى يوم القيامة.. فكذلك الاهتداء إلى ولاية أهل بيته، فإنّ معناه اتّخاذهم أئمّة من بعده، وجعلهم القدوة في جميع الأحوال، وفي كلّ الأقوال والأفعال..
على أنّه لو فرض ضرورة وجودهم عند نزول الآية المباركة، فقد كان رسول اللّه وعلي وفاطمة عليهم الصلاة والسلام موجودين في ذلك الوقت، ولم يكن الاهتداء إلى ولايتهم مشروطاً بتزوّج علي من فاطمة، وبوجود الحسنين، كما تبيّن ممّا ذكرنا.
و«ثابت البناني» لا يريد إلاّ هذا المعنى، وهو من رجال الصحاح الستّة، وعن أحمد بن حنبل: «كان محدّثاً، من الثقات المأمونين، صحيح الحديث»(4).
ووصفه الذهبي بـ«الإمام القدوة، شيخ الإسلام»، قال: «وكان من أئمّة العلم والعمل»(5).
وقال الحافظ ابن حجر: «ثقة عابد»(6).
هذا، والسند إليه صحيح:
قال الحافظ الحاكم الحسكاني: «أخبرنا أحمد بن محمّد بن أحمد الفقيه، قال: أخبرنا عبداللّه بن محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: حدّثنا عمر بن شاكر البصري، عن ثابت البناني، في قوله: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى)، قال: إلى ولاية أهل بيته»(7).
* فأمّا «الحاكم الحسكاني» فقد ترجمنا له في البحوث السابقة.
* وأمّا «أحمد بن محمّد بن أحمد الفقيه» فهو: أبو بكر التميمي الأصفهاني النيسابوري، المتوفّى سنة 430:
1 ـ قال الحافظ عبدالغافر الفارسي النيسابوري: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبداللّه بن الحارث، الإمام أبو بكر التميمي الأصبهاني، المقرئ، الأديب، الفقيه، المحدّث، الديّن، الزاهد، الورع، الثقة، الإمام بالحقيقة، فريد عصره في طريقته وعلمه وورعه، لم يعهد مثله، ورد من أصبهان سنة 409، فحضر مجالس النظر وأعجب الكلّ حسن بيانه وسكونه وتفنّنه في العلوم، وكان عارفاً بالحديث، كثير السماع، صحيح الأُصول، فأخذ في الرواية إلى آخر عمره مقيماً بنيسابور….
قرأت بخطّ الحسكاني ـ وكان من المكثرين عنه، المختصّين بالاستفادة منه ـ أنّه قال: توفّي أبو الشيخ بأصبهان سنة 369 وهو ابن 97 سنة»(8).
2 ـ وقال الذهبي: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبداللّه بن الحرث التميمي، أبو بكر الأصبهاني، المقرئ النحوي، سكن نيسابور، وتصدّر للحديث ولأقراء العربية. وروى عن أبي الشيخ وجماعة، وروى السنن عن الدارقطني، توفّي في ربيع الأوّل وله 81 سنة»(9).
3 ـ وقال ابن العماد كذلك(10).
* وأمّا «عبداللّه بن محمّد بن جعفر» فهو: أبو الشيخ الأصبهاني، المتوفّى سنة 369:
1 ـ قال الخطيب البغدادي: «كان أبو الشيخ حافظاً ثبتاً متقناً»(11).
2 ـ وقال ابن مردويه: «ثقة مأمون»(12).
3 ـ وقال أبو نعيم: «كان أحد الأعلام… وكان ثقة»(13).
4 ـ وقال الذهبي: «أبو الشيخ: الإمام الحافظ الصادق…»(14).
* وأمّا «موسى بن هارون» فهو: موسى بن هارون بن عبداللّه بن مروان الحمّال، المتوفّى سنة 294:
1 ـ قال الخطيب: «كان ثقة عالماً حافظاً»(15).
2 ـ وقال الذهبي: «الإمام الحافظ الكبير الحجّة الناقد، محدّث العراق…»(16).
* وأمّا «إسماعيل بن موسى الفزاري» الكوفي، المتوفّى سنة 245:
1 ـ قال أبو حاتم: «صدوق»(17).
2 ـ وذكره ابن حبّان في الثقات(18).
3 ـ وقال الذهبي: «صدوق شيعي»(19).
4 ـ وقال المزّي: «روى عنه: البخاري في كتاب أفعال العباد. وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأبو يعلى، و…»(20).
* وأمّا «عمر بن شاكر البصري» فإنّه:
1 ـ من رجال الترمذي، وقد قال: «شيخ بصري، يروي عنه غير واحد من أهل العلم»(21).
2 ـ وذكره ابن حبّان في الثقات(22).
3 ـ وقال البخاري: «مقارب الحديث»(23).
(1) سورة طه 20 : 82.
(2) المراجعات: 28 ـ 29.
(3) كذا، والصحيح: الغلابي.
(4) تهذيب الكمال 4 : 346.
(5) سير أعلام النبلاء 5 : 220.
(6) تقريب التهذيب 1 : 115.
(7) شواهد التنزيل 1 : 376 / 520.
(8) المنتخب من السياق: 89 / رقم 194.
(9) العبر في خبر من غبر ـ حوادث سنة 430 ـ 2 : 262.
(10) شذرات الذهب 3 : 245.
(11) سير أعلام النبلاء 16 : 278.
(12) سير أعلام النبلاء 16 : 278.
(13) سير أعلام النبلاء 16 : 279.
(14) سير أعلام النبلاء 16 : 276.
(15) تاريخ بغداد 13 : 50.
(16) سير أعلام النبلاء 12 : 116.
(17) الجرح والتعديل 2 : 196 رقم 666.
(18) الثقات ـ لابن حبّان ـ 8 : 104 ـ 105.
(19) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة 1 : 78، رقم 414.
(20) تهذيب الكمال 3 : 210.
(21) صحيح الترمذي 4 : 110 / 2260.
(22) الثقات 5 : 151.
(23) هامش تهذيب الكمال 21 : 385.