قوله تعالى: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه…).
قال السيّد:
ورجال الصدق الذين قال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً)(1).
فقال في الهامش:
ذكر ابن حجر في الفصل الخامس من الباب 9 من صواعقه، حيث ذكر وفاة علي، أنه عليه السلام سئل ـ وهو على المنبر بالكوفة ـ عن قوله تعالى: (رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه) فقال: اللهم غفراً، هذه الآية نزلت فيَّ وفي عمّي حمزة وفي ابن عميّ عبيدة بن الحارث بن المطلب… وأخرج الحاكم ـ كما في تفسيرها من مجمع البيان ـ عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي عليه السلام قال: فينا نزلت…»(2).
فقيل:
قال البخاري 6 / 361… قال أنس: كنا نظن أن هذه الآية نزلت فيه (أي في أنس بن النضر) وفي أشباهه (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه…).
وهذا الحديث ذكره أيضاً في كتاب التفسير 10 / 136 مختصراً بسند آخر ينتهي إلى أنس، وقال الحافظ في الفتح 6 / 361 وابن كثير في التفسير 3 / 475: وقد أخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية ثابت عن أنس. وأخرجه أحمد في مسنده 3 / 194 والطيالسي 2 / 22 وابن جرير 21 / 147 وأبو نعيم في الحلية 1 / 121 وعبداللّه بن المبارك في الجهاد 68. أنظر الصحيح المسند من أسباب النزول للوادعي 117.
أقول:
لا خلاف في أنّ الآية المباركة نزلت بعد واقعة أُحد، فقسّم اللّه سبحانه الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ورسوله على قسمين، فقال:
(فمنهم من قضى نحبه) والمراد ـ كما في بعض الروايات ـ هم الشهداء في أُحد وعلى رأسهم سيدنا حمزة رضي اللّه تعالى عنه، وفيهم أنس بن النضر الأنصاري. أو حمزة الشهيد بأُحد وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب الشهيد ببدر، كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن محمّدبن اسحاق كما في تفسير البغوي(3). أو حمزة وجعفر، كما في الرواية عن ابن عبّاس(4).
(ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) فقال أمير المؤمنين: «فأنا ـ واللّه ـ المنتظر وما بدّلت تبديلاً» ذكره الحاكم الحسكاني بإسناده عن عمرو بن ثابت عن أبي اسحاق، عن الإمام عليه السلام(5) وأرسله الحافظ الذهبي إرسال المسلَّم(6)، وعدّه غير واحد من الأعلام في مناقبه عليه السلام كالخوارزمي، وسبط ابن الجوزي، وابن الصبّاغ المالكي، والشبلنجي المصري، والقندوزي الحنفي(7)….
هذا، والمقصود: أنّ المراد بصادق العهد المنتظر في الآية المباركة هو علي عليه السلام، وكفى به تفضيلاً له على غيره….
* * *
(1) سورة الأحزاب 33 : 23.
(2) المراجعات: 31 ـ 32.
(3) معالم التنزيل 4 : 451.
(4) شواهد التنزيل 2 : 2 / 628.
(5) شواهد التنزيل 2 : 1 / 627.
(6) نقله عنه عبدالملك العصامي بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتابه سمط النجوم العوالي 3 : 19، وأورده الشيخ المحمودي في هامش شواهد التنزيل.
(7) المناقب للخوارزمي: 279 / 270، تذكرة الخواص: 26، الفصول المهمة: 125، كفاية الطالب: 249، ينابيع المودة 2 : 421 / 162.