قوله تعالى: (ثمّ لتسألن يومئذ عن النعيم)(1)
قال السيّد:
«أليست هي النعيم الذي قال اللّه تعالى: (ثمّ لتسألنّ يومئذ عن النّعيم)؟!».
فقال في الهامش:
«أخرج العلاّمة البحريني في الباب 48 من كتابه غاية المرام ثلاثة أحاديث من طريق أهل السُنّة في أنّ النعيم هو ما أنعم اللّه على الناس بولاية رسول اللّه وأمير المؤمنين وأهل البيت، وأخرج في الباب 49 اثني عشر حديثاً من صحاحنا في هذا المعنى، فراجع»(2).
فقيل ـ بعد الآية التي فيها ذكر «الأمانة» ـ:
«لم يقل أحد من المفسّرين الّذين يعتدّ بأقوالهم أنّ الولاية ـ بمفهوم الرافضة ـ من الأمانة، ولهذا أحال المؤلّف في الحواشي على تفاسير الرافضة وكتبهم، ومنها: الصافي وبلوغ المرام(3)، وهي ليست حجّة.
وكمثال على ذلك: فإنّ صاحب الصافي هذا ممّن يقول بتحريف القرآن الكريم، وممّن يسبّ الصحابة سبّاً مقذعاً، بل ويكفّرهم في تفسيره المذكور.
راجع: التعليق على هذه المراجعة، منهج الشيعة في التفسير».
أقول:
هذا كلامه في التعليق على الاستدلال بالآية التي فيها ذكر «الامانة»، أمّا الآيتين؛ التي فيها الأمر بالدخول في «السلم»، والتي فيها السؤال عن «النعيم» فلم يعلّق عليهما بشيء، مع أنّ السيّد لم يرجع فيهما إلى شيء من تفاسير غير الإمامية.
وأمّا إرجاع السيّد إلى كتاب غاية المرام فإنّما هو للوقوف على روايات أهل السُنّة الموجودة فيه، فإنّه كتاب جامع بين روايات الخاصّة والعامّة في كلّ مورد، ولذا سمّاه مؤلّفه ـ المُحدّث الثقة الجليل السيّد هاشم بن سليمان البحراني، المتوفّى سنة 1107 أو 1109 ـ بـ: غاية المرام في حجّة الخصام عن طريق الخاصّ والعامّ، وقال في مقدّمته: «إنّي ذاكر في هذا الكتاب ما هو الحجّة على الخاص والعامّ في النصّ على الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ بالنصّ من الرسول برواية الصحابة والتابعين عن النبيّ، بأنّ الإمام بعده أمير المؤمنين علي… من طرق العامّة والخاصّة، عن المشايخ الثقات عند الفريقين، ممّا سطّروه في مصنّفاتهم المعلومة عند الفئتين، وكتابي هذا يطلعك على ما ذكرت لك، مروي من صحاح العامّة المتّفق على صحّتها عندهم، فهم لا يتّهمون في نقل ذلك المروي عن ثقاتهم وفحول رجالهم…».
إذن، فإنّ الإرجاع إلى غاية المرام في الحقيقة إرجاع إلى الكتب السُنّية المنقولة رواياتها فيه، إلى جنب روايات الخاصّة المنقولة عن الكتب المعتبرة عندهم… وليس إرجاعاً إلى كتاب من كتب الإمامية كي لا يكون حجّةً عند الخصم.
على أنّه إذا لم تكن كتب الشيعة حجّةً عند أهل السُنّة، فكتب أهل السُنّة أيضاً ليست بحجّة عند الشيعة، فلماذا لا نجد في بحوث هؤلاء المتطفّلين إلاّ الاجترار والتكرار المخزي لما جاء في كتب أبناء تيميّة وكثير والجوزي؟!
وعلى الجملة، فإنّ تفسير «الأمانة» و«السلم» و«النعيم» بـ«ولاية أهل البيت» واردٌ في كتب الفريقين وبروايات الطرفين، وهذا هو المقصود إثباته.
ولا يقدح في ذلك كون صاحب الصافي «يسبُّ الصحابة» أو يقول «بتحريف القرآن».
على أنّ أحداً من الإمامية ـ لا صاحب الصافي ولا غيره ـ لا يسبُّ الصحابة، وإنّما هو اللعن للمنافقين منهم، وهذا أمر واجب كتاباً وسُنّةً، بل هو ضروري من ضروريات الإسلام.
كما إنّا قد أشرنا ـ في موضعه سابقاً ـ إلى مسألة تحريف القرآن، وإنّ أهل العلم والفضل من المسلمين يعرفون القائل به من النافي له، وقد حقّقنا ذلك في كتاب مستقلّ منتشر، أسميناه بـ: التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف، فمن شاء التفصيل فليرجع إليه.
هذا، ولكنّ الغرض من التعرّض لمثل هذه الأُمور في مثل هذا المقام هو التحريف والتغفيل كما هو شأن أهل الغواية والتضليل.
واللّه الهادي إلى سواء السبيل.
* * *
(1) سورة التكاثر 102 : 8.
(2) المراجعات: 29.
(3) كذا، والصحيح: غاية المرام.