قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(1).
قال السيّد:
«ألم يصدع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بتبليغها عن اللّه يوم الغدير حيث هضب خطابه، وعبّ عبابه، فأنزل اللّه يومئذ: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)؟!».
فقال في الهامش:
«نصّ على ذلك الإمام أبو جعفر الباقر وخلفه الإمام أبو عبداللّه الصادق في ما صحّ عنهما عليهما السلام. وأخرج أهل السُنّة ستّة أحاديث بأسانيدهم المرفوعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، صريحة في هذا المعنى، والتفصيل في الباب 39 والباب 40 من غاية المرام»(2).
فقيل:
«روى أبو نعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم دعا الناس إلى غدير خمّ، وأمرنا بحتّ الشجر من الشوك، فقام فأخذ بضبعَي عليٍّ فرفعهما حتّى نظر الناس إلى باطن إبطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: اللّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي وبالولاية لعليٍّ من بعدي.
ثمّ قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
وقد ثبت أنّ الآية نزلت على الرسول صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم وهو واقف بعرفة قبل يوم الغدير بسبعة أيّام.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: إنّ هذه الآية ليس فيها دلالة على عليٍّ ولا على إمامته بوجه من الوجوه، بل فيها إخبار اللّه بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين، ورضا الإسلام ديناً، فدعوى المدّعي أنّ القرآن يدلّ على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر، وإن قال: الحديث يدلّ على ذلك، فيقال: الحديث إن كان صحيحاً فتكون الحجّة من الحديث لا من الآية، وإن لم يكن صحيحاً فلا حجّة في هذا ولا في هذا، فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك. منهاج السُنّة 4 : 16.
وقال ابن كثير في تفسيره:
قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، أنّها نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم يوم غدير خمّ حين قال لعليٍّ: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.
ثمّ رواه عن أبي هريرة، وفيه: أنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة. يعني: مرجعه عليه السلام من حجّة الوداع.
ولا يصحّ لا هذا ولا هذا.
بل الصواب الذي لا شكّ فيه ولا مرية، أنّها أنزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، وأوّل ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن ابن عبّاس، وسمرة بن جندب رضي اللّه عنهم، وأرسله الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمّة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمه اللّه»(3).
أقول:
إنّ رواة حديث نزول هذه الآية المباركة في يوم الغدير ـ من كبار الأئمّة والحفّاظ الأعلام من العامّة ـ كثيرون جدّاً، نذكر هنا بعضهم:
1 ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المتوفّى سنة 310.
2 ـ أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني، المتوفّى سنة 385.
3 ـ أبو حفص بن شاهين، المتوفّى سنة 385.
4 ـ أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري، المتوفّى سنة 405.
5 ـ أبو بكر بن مردويه الأصفهاني، المتوفّى سنة 410.
6 ـ أبو نعيم الأصفهاني، المتوفّى سنة 430.
7 ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفّى سنة 458.
8 ـ أبو بكر الخطيب البغدادي، المتوفّى سنة 463.
9 ـ أبو الحسين بن النقور، المتوفّى سنة 470.
10 ـ أبو سعيد السجستاني، المتوفّى سنة 477.
11 ـ أبو الحسن بن المغازلي الواسطي، المتوفّى سنة 483.
12 ـ أبو القاسم الحاكم الحسكاني.
13 ـ الحسن بن أحمد الحدّاد الأصفهاني، المتوفّى سنة 515.
14 ـ أبو بكر بن المزرفي، المتوفّى سنة 527.
15 ـ أبو الحسن بن قبيس، المتوفّى سنة 530.
16 ـ أبو القاسم بن السمرقندي، المتوفّى سنة 536.
17 ـ أبو الفتح النطنزي، المتوفّى حدود سنة 550.
18 ـ أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي، المتوفّى سنة 558.
19 ـ الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي، المتوفّى سنة 568.
20 ـ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي، المتوفّى سنة 571.
21 ـ أبو حامد سعد الدين الصالحاني.
22 ـ أبو المظفّر سبط بن الجوزي، المتوفّى سنة 654.
23 ـ عبدالرزّاق الرسعني، المتوفّى سنة 661.
24 ـ شيخ الإسلام الحمويني الجويني، المتوفّى سنة 722.
25 ـ عماد الدين بن كثير الدمشقي، المتوفّى سنة 774.
26 ـ جلال الدين السيوطي، المتوفّى سنة 911.
فهولاء أئمّة القوم وكبار حفّاظهم في مختلف القرون، قد أخرجوا هذا الحديث في كتبهم، ورووه بأسانيدهم… ونحن نذكر عدّة من تلك الأسانيد، ونوضّح صحّتها:
(1) سورة المائدة 5 : 3.
(2) المراجعات: 29 ـ 30.
(3) تفسير القرآن العظيم 3 : 28 ـ 29.