قي الكلام حول شواهد تفسير الآية:
هذا، ويشهد بذلك أحاديث كثيرة، ومن ذلك:
الأحاديث التي رواها ابن حجر في صواعقه، وهذا كلامه بطوله:
«الآية الثامنة: قوله تعالى: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى)، قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية أهل بيته صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً.
وأخرج الديلمي مرفوعاً: إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ اللّه فطمها ومحبّيها عن النار.
وأخرج أحمد، إنّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أخذ بيد الحسنين، وقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة. ولفظ الترمذي ـ وقال: حسن غريب ـ: كان معي في الجنّة.
ومعنى المعيّة هنا معيّة القرب والشهود، لا معيّة المكان والمنزل.
وأخرج ابن سعد عن علي: أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم: إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا و فاطمة والحسن والحسين. قلت: يا رسول اللّه: فمحبّونا؟ قال: من ورائكم»(1).
أقول:
فهذه عدّة أحاديث أوردها ابن حجر المكّي في ذيل الآية المباركة، لتكون شواهد لقول ثابت البناني.
قال المفتري:
«وهي أحاديث هالكة لا يحتجُّ بها، ومنها ما أخرجه الديلمي…».
قلت:
الأحاديث المذكورة ثلاثة، أحدها: ما أخرجه الديلمي… والثاني: ما أخرجه أحمد والترمذي…، والثالث: ما أخرجه ابن سعد….
وكلّها أحاديث هالكة لا يحتجّ بها؟!
إنّ هذا الموضع ممّا يذكّرنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ في الحديث المتفّق عليه ـ: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
ونحن نتكلّم باختصار حول الحديث في المسند وصحيح الترمذي، ثمّ نتعرّض لما قاله حول ما أخرجه الديلمي:
* لقد جاء في المسند ما نصّه: «حدّثنا عبداللّه، حدّثني نصر بن علي الأزدي، أخبرني علي بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي، حدّثني أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن الحسين ـ رضي اللّه عنه ـ، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] أخذ بيد حسن و حسين ـ رضي اللّه عنهما ـ فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة»(2).
وجاء في صحيح الترمذي: «حدّثنا نصر بن علي الجهضمي، أخبرنا علي بن جعفر…»(3).
أمّا «عبداللّه» فهو الإمام الحافظ الثبت عند جميعهم بلا كلام، وكذا «الترمذي».
وأمّا «نصر بن علي» فهو الجهضمي الثقة الثبت بالاتّفاق.
وأمّا «علي بن جعفر» فمقبول عندهم كما نصّ عليه الحافظ(4) وشارح الترمذي(5).
وهو يرويه عن آبائه الطاهرين أئمّة أهل البيت عليه السلام، الّذين لا يتكلّم في واحد منهم إلاّ من خبثت طينته ولم تطب ولادته!!
* وأمّا ما أخرجه الديلمي مرفوعاً:
فقد رواه الخطيب البغدادي بإسناده عن ابن عبّاس ـ في حديث ـ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «وإنّما سماها فاطمة لأن اللّه تعالى…» ثمّ قال:
«في إسناد هذا الحديث من المجهولين غير واحد، وليس بثابت»(6).
وغاية هذا أن يكون الحديث بهذا الإسناد ضعيفاً، وأمّا كونه موضوعاً وبجميع أسانيده فكذب وزور، والخطيب لا يقول ذلك… فما رواه ابن حجر ليس موضوعاً.
لكنّ ابن الجوزي ذكره في الموضوعات على عادته في التسرّع بالحكم بالوضع، وخاصّةً في ما يتعلّق بأهل البيت عليهم السلام.
ثمّ ذكر بعده ما رواه بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّما سمّيت فاطمة لأنّ اللّه تعالى فطم محبّيها عن النار».
فقال بعد هذا الحديث: «هذا عمل الغلابي، وقد ذكرنا عن الدارقطني أنّه كان يضع الحديث»(7).
قلت:
قد ذكرنا في البحوث السابقة أنّ «الغلابي» ـ وهو شيخ الحافظ الطبراني ـ مؤرّخ محدّث لا سبيل للطعن فيه، وإنّما تكلّم فيه من تكلّم لتشيّعه لأهل البيت، وقد ثبت أنّ التشيّع لا يضرّ بالوثاقة، كما نصّ عليه القوم كالحافظ ابن حجر في مقدّمة فتح الباري.
لكنّ ابن الجوزي معروفٌ بالتعصّب والتعنّت، وقد نصّ غير واحد من أئمّة القوم كابن الصلاح والنووي والسيوطي على أنّ كتابه الموضوعات اشتمل على ما ليس بموضوع بكثرة، ولذا تعقّبه غير واحد من الحفّاظ كالسيوطي في كتابيه اللآلئ المصنوعة والتعقبات على الموضوعات.
وفي هذا الموضع أيضاً تعقّبه السيوطي في اللآلئ المصنوعة(8) وكذا ابن عراق في تنزيه الشريعة(9) وردّا عليه الحكم بوضع هذه الأحاديث….
لكنّ المفتري لا يشير إلى شيء من ذلك، بل يوهم أنّ ابن عراق موافق لابن الجوزي في الحكم على هذه الأحاديث بالوضع!!
ثمّ إنّ من أحاديث الباب ما عن ابن مسعود وغيره، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيّتها على النار».
وقد أدرجه أيضاً ابن الجوزي في الموضوعات، بل قال إمام أهل الضلال ابن تيميّة في منهاجه: «كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث»(10).
لكنّ هذا الحديث ممّا صحّحه الحاكم في مستدركه(11).
وأخرجه الجمّ الغفير من أئمّة الحديث، ونحن نكتفي بما ذكره العلاّمة المحقّق المغفور له السيّد عبدالعزيز الطباطبائي، تقديراً لجهده، وتخليداً لذكره، فإنّه قال:
«حديث: إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها اللّه وذرّيّتها على النار.
أخرجه البزّار في مسنده 5 / 223 ح 1829، وأبو يعلى في مسنده الكبير كما في المطالب العالية 4 / 70 ح 3987، والطبراني في المعجم الكبير 22 / 406 ح 1018.
وأخرجه الحافظ ابن شاهين في كتاب فضائل فاطمة بثلاثة طرق: ح 10 و ح 11 و ح 12، وليس في الأخيرين عمر بن غياث، وأخرجه في كتاب السُنّة كما يأتي من السيوطي.
وأخرجه الدارقطني في العلل 5 / 65 سؤال 710، والحاكم في المستدرك 3 / 152، وأخرجه تمّام الرازي في فوائده بثلاثة طرق (الروض البسّام 4 / 315 ـ 318 رقم 1492، 1493، 1494)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 4 / 188، والمهرواني في فوائده كما في الروض البسّام 4 / 317 و 318.
وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 3 / 54، وابن المغازلي في كتاب مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 353 ح 403، والخطيب الخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام 1 / 55، والحافظ ابن عساكر في تاريخه ج 5 ق 23 / ب و ج 17 ق 386 / ب.
وأخرجه المزّي في تهذيب الكمال 35 / 251، والمحبّ الطبري: 26 و 48، والكنجي في كفاية الطالب: 222 من الطبعة الأُولى و ص 366 من الطبعة الثانية، والزرندي في نظم درر السمطين: 180، والذهبي في تذهيب تهذيب الكمال في ترجمتها عليها السلام، والخزرجي في خلاصته 3 / 389، والحافظ العسقلاني في زوائد مسند البزّار وفي المطالب العالية النسخة المسندة: ق 155 / ب، والسيوطي في الثغور الباسمة: 46، وفي إحياء الميت: ح 38، قال: أخرج البزّار وأبو يعلى والعقيلي وابن شاهين في السُنّة….
والمتّقي في كنز العمّال: ح 34220، والزرقاني في شرح المواهب اللدنيّة 3 / 203، والصبّان في إسعاف الراغبين: 120، والشبلنجي في نور الأبصار: 41، والدوسري في الروض البسّام 4 / 315»(12).
(1) الصواعق المحرقة: 235.
(2) مسند أحمد 1 : 125 / 577.
(3) الجامع الكبير 6 : 92 / 3733 باب مناقب أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) تقريب التهذيب 2 : 33.
(5) تحفة الأحوذي 10 : 237.
(6) تاريخ بغداد 12 : 331.
(7) الموضوعات 1 : 421 ـ 422.
(8) اللآلئ المصنوعة 1 : 400 ـ 401.
(9) تنزيه الشريعة المرفوعة 1 : 413.
(10) منهاج السُنّة 4 : 62.
(11) المستدرك على الصحيحين 3 : 152.
(12) تعليقة الغدير 3 : 249 الطبعة الحديثة.