شواهد أُخرى:
هذا، وهناك شواهد أخرى كثيرة في الأحاديث النبويّة، وكلّها صريحة في أنّ اللّه سبحانه جَعَل المغفرة مشروطة بولاية أهل البيت عليهم السلام، وأنّ اللّه سبحانه يغفر لشيعتهم، والملائكة تستغفر لمذنبيهم، وأنّ الجنة محرّمة على من آذاهم وأبغضهم وخالفهم… ومن ذلك:
* وما أخرجه أحمد والحاكم ـ وصحّحه ـ وجماعة، عن عمّار، عن رسول اللّه.
قال الحاكم: «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبداللّه بن أحمد ابن حنبل، قال: حدّثني أبي حدّثنا سعيد بن محمّد الورّاق، عن علي بن الحزور، قال: سمعت أبا مريم الثقفي يقول: سمعت عمّار بن ياسر ـ رضي اللّه عنه ـ يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول لعلي:
يا علي! طوبى لمن أحبّك وصدّق فيك، وويل لمن أبغضك وكذّب فيك.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(1).
وتُكلّم في «سعيد بن محمّد الورّاق»، وقد وثّقه الحاكم وابن حبّان، وأخرج له الترمذي وابن ماجة، وهو من مشايخ أحمد بن حنبل.
وفي «علي بن الحزور»، وقد بيّن الحافظ السبب بقوله: «متروك، شديد التشيّع»(2)، مع أنّه قد نصّ في مقدمة فتح الباري على أنّ التشيّع بل الرفض غير مضرّ بالوثاقة.
* وروى الحافظ ابن كثير في تاريخه، قال: «وقال غير واحد عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر: ثنا عبدالرزّاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عبداللّه ابن عبيداللّه، عن ابن عبّاس، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم نظر إلى علي فقال: أنت سيّد في الدنيا سيّد في الآخرة، من أحبّك فقد أحبّني، وحبيبك حبيب اللّه، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض اللّه، وويل لمن أبغضك من بعدي»(3).
رواه ابن كثير ولم يتكلّم عليه بشيء بالرغم من تكلّمه في كثير غيره.
* وأخرجه الحافظ الهيثمي عن ابن عبّاس باختلاف، فقال: «رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات».
لكنّه ـ بعد الشهادة بصحّته ـ لم تطق نفسه فقال: «إلاّ أنّ في ترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري أنّ معمراً كان له ابن أخ رافضي، فأدخل هذا الحديث في كتبه، وكان معمراً مهيباً لا يراجع، وسمعه عبدالرزّاق»(4).
فانظر كيف يطعن في عدّة من أئمّة الحديث ليطعن في حديث من فضائل أمير المؤمنين!!
وهذا أُسلوب آخر يتّبعونه بعض الأحيان لإسقاط أخبار مناقب الوصي، أمّا مناقب غيره المزعومة فلا مجال فيها لمثل هذا الأُسلوب!!
ثمّ إنّ ممّا يزيد في التعجّب: أن يكون «ابن كثير» هنا أقلّ من «الهيثمي» في التعصّب!!
* وروى الهيثمي «عن عبداللّه بن نجى، أنّ عليّاً أُتي يوم النضير بذهب وفضّة فقال: ابيضّي واصفرّي وغرّي غيري، غرّي أهل الشام غداً إذا ظهروا عليك، فشقّ قوله ذلك على الناس، فذكر ذلك له، فأذّن في الناس، فدخلوا عليه، قال: إنّ خليلي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم قال: يا علي! إنّك ستقدم على اللّه وشيعتك راضين مرضيّين، ويقدم عليه عدوّك غضاباً مقمحين، ثمّ جمع يده إلى عنقه يريهم الإقماح».
قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الأوسط. وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف»(5).
وهذا من التعصّب أيضاً! فإنّ جابراً من رجال ثلاثة من الصحاح، فقد أخرج عنه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وروى عنه من الأئمّة الأعلام: إسرائيل بن يونس، وزهير بن معاوية، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشريك بن عبداللّه، وشعبة بن الحجّاج، ومعمر بن راشد، وأبو عوانة، وآخرون.
ثمّ رووا عن سفيان: «كان جابر ورعاً في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث منه».
وعن شعبة: «جابر صدوق في الحديث».
وعن زهير بن معاوية: «إذا قال سمعت، أو سألت، فهو من أصدق الناس».
وعن وكيع: «مهما شككتم في شيء فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقة».
وعن سفيان الثوري أنّه قال لشعبة: «لئن تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلّمنّ فيك»(6).
لكنّ جابراً من علماء الشيعة، قال الذهبي: «جابر بن يزيد [د، ت، ق] بن الحارث الجعفي الكوفي، أحد علماء الشيعة»(7)، وكان يشتم أصحاب النبيّ(8) وكان يؤمن بالرجعة(9).
إذاً، لابُدّ من جرحه وإسقاط أحاديثه!
قال ابن عديّ: «له حديث صالح، وقد روى عنه الثوري الكثير، مقدار خمسين حديثاً، وشعبة أقلّ رواية عنه من الثوري، وقد احتمله الناس ورووا عنه، وعامّة(10) ما قذفوه به أنّه كان يؤمن بالرجعة. ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وهو مع هذا كلّه أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق»(11).
إلاّ أنّهم وقعوا في مشكلة شديدة؛ فإنّ الرجل لم يختلفوا في الرواية عنه، والكلمات التي يروونها في حقّه كلمات جليلة، من رجال عظماء، كسفيان الثوري، ومعمر، وشعبة… حتّى إنّهم يروون أنّ بعض الأكابر كسفيان بن عيينة كان من أشدّهم قولاً فيه، أو نهى عن السماع منه، لعقيدته، ومع ذلك لم يترك الرواية عنه، وقد حدّث عنه الحديث الكثير….
فابتدعوا هنا أُسلوباً آخر، فقال أحدهم ـ وهو في معرض جرح الرجل ـ: «وأمّا شعبة وغيره من شيوخنا ـ رحمهم اللّه تعالى ـ فإنّهم رأوا عنده أشياء لم يصبروا عنها وكتبوها ليعرفوها، فربّما ذكر أحدهم عنه الشيء بعد الشيء على جهة التعجّب، فتداوله الناس بينهم»(12).
فانظر كيف يتلاعبون بالروايات والسُنن….
فتارةً يقولون: إنّ «معمراً» كان له ابن أخ رافضي، فأدخل الحديث أو الأحاديث في كتب معمر، فلم يشعر معمر بذلك ولا تلامذته كعبدالرزّاق ابن همّام، ولا غيرهم… حتّى وصلت إلينا بأسانيد صحيحة…!!
وأُخرى يقولون: إنّ شعبة ومعمراً وغيرهما كتبوا أحاديث جابر وهم غير مصدّقين بها، وإنّما ليعرفوها! ثمّ جعلوا يحدّثون بها لتلامذتهم على جهة التعجّب، لكنّ التلامذة كتبوها غير ملتفتين إلى ذلك، وتداولها الناس بينهم… حتّى وصلت إلينا بأسانيد صحيحة…!!
ثمّ يأتي دور القَسَم، فإنّهم بعدما رأوا أنّ السند صحيح، ولا مجال للطعن فيه بشكل من الأشكال، قالوا: «لا واللّه»، ومن ذلك قول الذهبي ـ بعد حديث في مناقب الصدّيقة الطاهرة بضعة الرسول، صحّحه الحاكم في كتاب المستدرك ـ: «لا واللّه بل موضوع»(13).
(فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون)(14).
* * *
(1) المستدرك على الصحيحين 3 : 135.
(2) تقريب التهذيب 2 : 33.
(3) البداية والنهاية 7 : 355.
(4) مجمع الزوائد 9 : 133، المعجم الأوسط ـ للطبراني ـ 5 : 166 ح 4751.
(5) مجمع الزوائد 9 : 131.
(6) تهذيب الكمال 4 : 467.
(7) ميزان الاعتدال 1 : 379.
(8) ميزان الاعتدال 1 : 383.
(9) ميزان الاعتدال 1 : 380.
(10) كذا، ولعلّه: وغاية.
(11) تهذيب الكمال 4 : 469.
(12) كتاب المجروحين ـ لابن حبّان ـ 1 : 209، عنه في هامش تهذيب الكمال 4 : 470.
(13) المستدرك على الصحيحين 3 : 153.
(14) سورة البقرة 2 : 79.