رجوع المعاني كلّها إلى معنىً واحد:
فالمعاني الستّة التي ذكرها ابن الجوزي كلّها ترجع إلى أصل واحد ومعنىً فارد، ولا نمنع شيئاً من ذلك، وإن لم يكن قائلوها عندنا «أئمّة المفسّرين»… لكنّ من طبيعة حال ابن الجوزي أن لا يذكر قول أئمّة أهل البيت الطاهرين، الّذين هم أدرى بما في البيت، إلاّ أنّ ابن الجوزي غير مقبول حتّى عند أبناء طائفته كما تقدّم، ونكتفي هنا بكلمتين بالمناسبة:
يقول الذهبي بترجمة أبان بن يزيد العطّار: «قد أورده العلاّمة أبو الفرج في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه، وهذا من عيوب كتابه؛ يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق»(1).
ويقول ابن حجر العسقلاني، بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري، بعد قصّة ذكرها: «دلّت هذه القصّة على أنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدّث به»(2).
فعلى ضوء هاتين الكلمتين نقول: إنّ ابن الجوزي ـ بغضّ النظر عن انحرافه عن أهل البيت ـ ذكر الأقوال في تفسيره ولم يذكر قول الإمام من أهل البيت، وهذا من عيوب كتابه، كما إنّه سردها ولم ينتقدها، فهو أيضاً حاطب ليل.
إلاّ أنّا ـ وبالنظر إلى حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ـ أرجعناها إلى حقيقة واحدة، ولم نطرح شيئاً من هذه الأقوال.
أمّا الثعلبي… فلم يكن كابن الجوزي، فقد أورد في تفسيره بعض الأحاديث عن أئمّة اهل البيت بأسانيده المتّصلة بهم، بتفسير طائفة من الآيات… ومنها هذه الآية الشريفة.
فقد روى حديث الثقلين عن عبدالملك، عن عطيّة، عن أبي سعيد ـ وهو السند الذي اعتمده بعض المفترين ـ حيث قال: «حدّثنا الحسن بن محمّد بن حبيب المفسّر، قال: وجدت في كتاب جدّي بخطّه: نا أحمد بن الأحجم القاضي المرندي، نا الفضل بن موسى السيناني، نا عبدالملك بن أبي سليمان، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله]وسلّم يقول: يا أيّها الناس! إنّي قد تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علَيَّ الحوض».
وروى الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث قال: «أخبرني عبداللّه بن محمّد بن عبداللّه، نا محمّد بن عثمان، نا محمّد بن الحسين بن صالح، نا عليّ بن العبّاس المقانعي، نا جعفر بن محمّد، قال: نحن حبل اللّه الذي قال: (واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا)»(3).
وقد أورد هذا الحديث عن الثعلبي جماعة من علماء القوم، مرتضين له، كالحافظ السمهودي(4)، والشيخ محمّد الصبّان(5)، والشيخ القندوزي البلخي(6)، وغيرهم، بل أرسله الأوّل منهم في موضع آخر إرسال المسلّم(7)… فليس الذي أورده عن الثعلبي هو ابن حجر المكّي وحده.
(1) ميزان الاعتدال 1 : 16.
(2) لسان الميزان 2 : 83.
(3) الكشف والبيان 3 : 163.
(4) جواهر العقدين 1 : 96.
(5) إسعاف الراغبين: 118.
(6) ينابيع المودة 1 : 356 / 10.
(7) جواهر العقدين 2 : 127.