«حبل اللّه» و شعر الشافعي:
ثمّ إنّ إمام الشافعيّة ضمّن هذا الحديث ونحوه في شعر له، فقال في أبيات:
وأمسكت حبل اللّه وهو ولاؤهم *** كما قد أُمرنا بالتمسّك بالحبل
وقد ذكر هذا الشعر منسوباً إليه في غير واحد من كتب أتباعه الشافعية وغيرهم، ككتاب رشفة الصادي: 15، وكتاب ذخيرة المآل في عدّ مناقب الآل ـ للعجيلي ـ المخطوط، وغيرهما….
ولا غرو، فالأشعار المنسوبة إليه في مدح أمير المؤمنين وولاء أهل البيت عليهم السلام كثيرة ومشهورة موجودة في كتب القوم، حتّى إنّه ـ في شعر له يذكره الفخر الرازي في (مناقبه) ـ يصرّح بالتشيّع، وهو قوله:
أنا الشيعيّ في ديني وأصلي *** بمكّة ثمّ داري عسقليّه
بأطيب مولد وأعزّ فخراً *** وأحسن مذهب سمّوا البريّة(1)
بل يصرّح في شعر آخرَ بالرفض، وكان يردّده كثيراً، فقد رووا عن تلميذه الربيع بن سليمان، قال: خرجنا مع الشافعي من مكّة نريد منى، فلم ننزل وادياً ولم نصعد شِعباً إلاّ سمعته قال:
يا راكباً قف بالمحصّب من منى *** واهتف بقاعد خيفها والناهضِ
سَحَراً إذا سار الحجيج إلى منى *** فيضاً كملتطم الفرات الفايضِ
إن كان رفضاً حبّ آل محمّد *** فليشهد الثقلان أنّي رافضي(2)
أمّا أنّها غير موجودة في ديوانه المطبوع فالسبب معلوم!
أو أنّ الأئمّة الناقلين لأشعاره كذبوا عليه!! فهم المذنبون!!
وأمّا أنّ «الدليل الأظهر على النحل، فهو أنّه لا يمكن للشافعي أن يقول: (وأمسكت حبل اللّه) فإنّ الفصحاء، بل البسطاء في علم العربية، يعرفون أنّ الفعل (أمسك) يتعدّى بالباء لا بنفسه، فهل يجوز هذا الغلط على مثل الشافعي إمام الفصحاء، ومن كان كلامه حُجّةً في اللغة؟!».
ففيه:
أوّلاً: إنّ الّذين نسبوا إليه هذا الشعر وأمثاله قوم عربٌ فصحاء، وهم من أتباعه في المذهب، فلو كان هذا الشعر لا يناسب شأن الشافعي في اللغة لَما نسبوه إليه.
وثانياً: إذا صحّت النسبة، وكان كلامه حُجّةً في اللغة، كان دليلاً على تعدّي «أمسك» بنفسه كتعدّيه بالباء.
وثالثاً: كأنّ هذا الرجل لا يقرأ القرآن! أليس اللّه تعالى يقول: (… أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب…)(3)؟!
و(أمّن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه…)(4)؟!
و(… ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده…)(5)؟!
فلماذا كلّ هذا السعي لإنكار فضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم؟!
وإلى متى يريد أهل الضلال أن يبقوا على ضلالتهم؟!
* * *
(1) مناقب الشافعي ـ للفخر الرازي ـ: 51.
(2) معجم الأُدباء 17 : 310، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ 1 : 299، الوافي بالوفيات 2 : 178، النجوم الزاهرة 2 : 177. و في بعضها بدل «سار» في البيت الثاني «فاض».
(3) سورة النحل 16 : 59.
(4) سورة الملك 67 : 21.
(5) سورة فاطر 35 : 41.