تنبيهات
الأول: إنّه قد ظهر ممّا حقّقناه صحّة هذا الحديث بطرق عديدة، فقول ابن تيميّة: «إنّ هذا كذب موضوع باتّفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه وردّه» هو الكذب والباطل، ولكنّ ابن تيميّة معروف ـ لدى أهل العلم بالحديث ـ بتعمّده للكذب في مثل هذا الموضع، اللّهمّ إلاّ أن يكون مقصوده من «أهل العلم بالحديث» نفسه وبعض أتباعه!!
الثاني: لا يخفى أنّ حديثنا هذا غير مدرج أصلاً في كتاب الموضوعات لابن الجوزي، ولا في غيره ممّا بأيدينا من الكتب المؤلّفة في الأحاديث الموضوعة، كما أنّا لم نجده في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
ومن هنا أيضاً يمكن القول ببطلان حكمه على الحديث بالوضع في (تفسيره)، اللّهمّ إلاّ أن يكون مقصوده خصوص حديث ابن عبّاس الذي ذكره، فَيَرِدُ عليه حينئذ ما تقدّم من أنّ الاقتصار على طريق غير معتبر ـ بزعمه ـ مع وجود طرق أُخرى له صحيحة، غير جائز، لا سيّما في تفسير الآيات القرآنية، فكيف لو ذُكر الطريق غير المعتبر ثمّ رُمي أصل الحديث بالوضع؟!!
الثالث: إنّ قول البعض ـ في ردّ رواية الثعلبي ـ بأنّ «الثعلبي حاطب ليل» جاء تقليداً لابن تيميّة، فإنّه الذي رماه بذلك في كتابه منهاج السُنّة، وقد قدّمنا سابقاً ترجمة الثعلبي والثناء بالجميل عليه، عن أوثق مصادر القوم.
وإنّ كلامه حول سند رواية الطبري يشتمل على تعصّب وجهل كثير، وفيما يلي توضيح ذلك:
1 ـ لقد اقتصر في «عطاء بن السائب» على كلام أبي حاتم، ومع ذلك ففيه التصريح بكونه صدوقاً، وكذلك نصّ غير واحد من الأئمّة على صدقه وثقته، حتّى قال أحمد: «ثقة ثقة، رجل صالح» نعم ذكروا أنّه اختلط في آخر عمره، ويكفي أنّه قد أخرج له البخاري والباقون سوى مسلم(1).
2 ـ جاء في تفسير الطبري: «حدّثنا معاذ بن مسلم، حدّثنا الهروي، عن عطاء بن السائب» وهذا غلط من النسخة، بل الصحيح هو: حدّثنا معاذ ابن مسلم الهرّاء، وهو يروي عن عطاء بلا واسطة، كما لا يخفى على من راجع أسانيد الحديث في الفصل الأوّل، ولم يلتفت البعض إلى ذلك، ثمّ إنّه توهّم أنّ «الهروي» هو «أبو الصلت» ولم يفهم بأنّ أبا الصلت الهروي وفاته سنة 236(2) وقد توفّى عطاء بن السائب سنة 136(3)، فالصحيح ما ذكرناه من أنّ النسخة مغلوطة. وأمّا طعنه في أبي الصّلت الهروي فسيأتي الجواب عنه في البحث عن حديث «أنا مدينة العلم وعليٌ بابها».
3 ـ ومعاذ بن مسلم، قال الذهبي في (الميزان): «معاذ بن مسلم، عن شرحبيل بن السمط. مجهول. وله عن عطاء بن السائب خبر باطل سقناه في الحسن بن الحسين»(4).
قلت:
قد ذكرناه في الفصل الثالث، ولا يخفى أنّ كلام الذهبي في الموضعين ممّا يشهد بروايته عن عطاء بلا واسطة.
فالذهبي يقول في (الميزان): «مجهول» و«نكرة» لكنّه في سير أعلام النبلاء يترجم لمعاذ قائلاً: «معاذ بن مسلم شيخ النحو، أبو مسلم الكوفي الهرّاء، مولى محمّد بن كعب القرظي، روى عن عطاء بن السائب وغيره، وما هو بمعتمد في الحديث، وقد نقلت عنه حروف في القراءات، أخذ عنه الكسائي، ويقال إنّه صنّف في العربيّة، ولم يظهر ذلك، وكان شيعيّاً، معمّراً… وكان معاذ صديقاً للكميت الشاعر، يقال عاش تسعين عاماً، وتوفّي سنة 187، وله شعر قليل. والهرّاء هو الذي يبيع الثياب الهروية، ولولا هذه الكلمة السائرة لما عرفنا هذا الرجل، وقلّ ما روى»(5).
قلت:
فالرجل ما هو بمجهول، إلاّ أنّهم يحاولون ردّ فضائل أهل البيت عليهم السلام وهذا من طرائقهم، وإذ عرفه الذهبي قال هذه المرّة: «وما هو بمعتمد في الحديث» لغير سبب إلاّ أنّه «كان شيعيّاً». نعم هو من رواة الشيعة وثقاتهم كما في كتبهم، والتشيّع غير قادح كما تقرّر غير مرّة.
4 ـ وكما ناقض الذهبي نفسه في (معاذ) فقد ناقض نفسه في (الحسن بن الحسين العرني)، فقد وثّقه في تلخيص المستدرك، كما تقدّم في الفصل الثالث.
5 ـ و«أحمد بن يحيى الصوفي» شيخ الطبري وابن عقدة، لا ذكر له في (الميزان) وليس «الكوفي الأحول» بل جاء بنفس العنوان عند ابن أبي حاتم مع التوثيق الصريح(6).
فما هو رأي القارئ في هذا الجهل أو التلبيس؟!
فتلخّص: صحّة حديث الطبري في تفسيره، فتبصّر واغتنم هذا التحقيق، وباللّه التوفيق.
(فإذا جاء أمرُ اللّه قُضي بالحقّ وخسر هنالك المبطلون)(7).
هذا تمام الكلام في الجهة الأُولى.
فلننتقل إلى الجهة الثانية….
(1) لاحظ الكلمات في حقّه في: تهذيب الكمال 20 : 86.
(2) سير أعلام النبلاء 11 : 448.
(3) سير أعلام النبلاء 6 : 113.
(4) ميزان الاعتدال 4 : 132.
(5) سير أعلام النبلاء 8 : 482.
(6) الجرح والتعديل 2 : 81.
(7) سورة غافر 40 : 78.