أوّلاً: إجماع المفسّرين.
وذكر اعتراف القوشجي بقيام الإجماع على نزول الآية في قضية تصدّق الإمام في الصلاة، في كتابه المعروف شرح التجريد.
والقوشجي هو: علاء الدين علي بن محمّد الحنفي السمرقندي، المتوفّى سنة 879.
قال قاضي القضاة الشوكاني بترجمته:
«علي بن محمّد القوشجي. بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة، ومعنى هذا اللفظ بالعربية: حافظ البازي، وكان أبوه من خدام ملك ماوراء النهر يحفظ البازي.
قرأ على علماء سمرقند ثم رحل إلى الروم، وقرأ على قاضي زاده الرومي ثم رحل إلى بلاد كرمان فقرأ على علماءها وسوّد هناك شرحه للتجريد… ولما قدم قسطنطيّنية أوّل قدمة تلقّاه علماؤها… وله تصانيف منها شرح التجريد الذي تقدمت الإشارة إليه وهو شرح عظيم سائر في الأقطار كثير الفوائد… وهو من مشاهير العلماء»(1).
وذكر شرحه على التجريد في كشف الظنون، حيث قال تحت عنوان تجريد الكلام:
«وهو كتاب مشهور اعتنى عليه الفحول، وتكلّموا فيه بالردّ والقبول، له شروح كثيرة وحواش عليها» إلى أن قال: «ثمّ شرح المولى المحقّق علاء الدين علي بن محمّد الشهير بقوشجي ـ المتوفّى سنة 879 ـ شرحاً لطيفاً ممزوجاً… وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد»، ثمّ ذكر كلامه في ديباجته، ثمّ قال: «وإنّما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن، وفضل الشرح والشارح»، ثمّ ذكر الحواشي على هذا الشرح الجديد، بما يطول ذكره، فراجع(2).
وهذه عبارة القوشجي في نزول الآية المباركة:
وبيان دلالتها على الامامة لأمير المؤمنين:
«بيان ذلك: انها نزلت باتفاق المفسّرين في حقّ عليّ بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته…» ثمّ إنّه ـ وإن حاول المناقشة في الاستدلال ـ لم ينكر اتّفاق المفسّرين على نزولها في الإمام عليه السلام، فراجع(3).
أقول:
وممّن اعترف من أئمّة أهل السُنّة الأعلام بإجماع المفسّرين واتّفاقهم على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام:
1 ـ القاضي عضد الدين الإيجي(4)، المتوفّى سنة 756، في كتابه المواقف في علم الكلام(5)، فقد قال في معرض الاستدلال بالآية:
«وأجمع أئمّة التفسير أنّ المراد عليّ»(6).
2 ـ الشريف الجرجاني(7)، المتوفّى سنة 816، فقد قال بشرح المواقف(8):
«وقد أجمع أئمّة التفسير على أنّ المراد بـ: (الّذين يقيمون الصلاة) إلى قوله تعالى: (وهم راكعون) عليّ، فإنّه كان في الصلاة راكعاً، فسأله سائل فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية»(9).
3 ـ سعد الدين التفتازاني(10) المتوفّى سنة 793، فقد قال في شرح المقاصد(11).
«نزلت باتّفاق المفسّرين في عليّ بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته»(12).
(1) البدر الطالع 1 : 495 ـ 496.
(2) كشف الظنون 1 : 348 ـ 350.
(3) شرح تجريد العقائد: 368.
(4) وصفوه بتراجمه بأوصاف ضخمة: «قاضي قضاة المشرق» و«شيخ العلماء» و«شيخ الشافعية» قالوا: «كان إماماً في المعقولات، محقّقاً، مدقّقاً، قائماً بالأُصول والمعاني والعربية، مشاركاً في الفقه وغيره من الفنون»… «أنجب تلاميذ اشتهروا في الآفاق».
الدرر الكامنة 2 : 322، البدر الطالع 1 : 326، شذرات الذهب 6 : 174، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ 2 : 109، بغية الوعاة 2 : 75 رقم 1476.
(5) قال في كشف الظنون 2 : 1891: «المواقف في علم الكلام، وهو كتاب جليل القدر، رفيع الشأن، اعتنى به الفضلاء، فشرحه السيّد الشريف، وشرحه شمس الدين محمّد بن يوسف الكرماني…» ثمّ ذكر الشروح والحواشي عليها… قال: «وهي كثيرة جدّاً».
وقال الشوكاني بترجمة الإيجي: «له: المواقف في علم الكلام ومقدّماته، وهو كتاب يقصر عنه الوصف، لا يستغني عنه من رام تحقيق الفنّ».
ولاحظ أيضاً كلمات الشريف الجرجاني في وصف المواقف في مقدّمة شرحه.
(6) المواقف في علم الكلام 3 : 601.
(7) وصفوه بـ: «عالم بلاد الشرق»… «كان علاّمة دهره»… «صار إماماً في جميع العلوم العقلية وغيرها، متفرّداً بها، مصنّفاً في جميع أنواعها، متبحّراً في دقيقها وجليلها، وطار صيته في الآفاق، وانتفع الناس بمصنّفاته في جميع البلاد، وهي مشهورة في كلّ فنّ، يحتجّ بها أكابر العلماء وينقلون منها، ويوردون ويصدرون عنها» فذكروا فيها شرح المواقف.
انظر: الضوء اللامع 5 : 328، البدر الطالع 1 : 488، الفوائد البهية: 212 رقم 269، بغية الوعاة 2 : 196 رقم 1777، مفتاح السعادة 1 : 192، وغيرها.
(8) انظر: كشف الظنون 2 : 1891.
(9) شرح المواقف 8 : 360.
(10) قال الحافظ السيوطي: «الإمام العلاّمة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها، أخذ عن القطب والعضد، وتقدّم في الفنون، واشتهر ذكره وطار صيته، وانتفع الناس بتصانيفه، وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق».
وكذا قال ابن حجر وابن العماد والشوكاني وأضاف: «وبالجملة، فصاحب الترجمة متفرّد بعلومه في القرن الثامن، لم يكن له في أهله نظير فيها، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم ما لا يلحق به غيره، ومصنّفاته قد طارت في حياته إلى جميع البلدان، وتنافس الناس في تحصيلها…» البدر الطالع 2 : 330، بغية الوعاة 2 : 285 رقم 1992، شذرات الذهب 6 : 319، الدرر الكامنة 4 : 350.
(11) ذكره صاحب كشف الظنون 2 : 1780 فقال: «المقاصد في علم الكلام… وله عليه شرح جامع» ثمّ ذكر بعض الحواشي عليه.
(12) شرح المقاصد في علم الكلام 5 : 270.