أمّا الآية الأُولى:
فمن أين عرف هذا المتقوّل أن هذه الجملة «من الكذب البيّن على علي»؟
قال الحافظ الحسكاني: «أخبرنا عقيل بن الحسين قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدثنا محمّد بن عبيداللّه قال: حدثنا أبو بكر محمّد بن سليمان العطاردي بالبصرة قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله عزوجل (وممّن خلقنا اُمّة) قال: يعني: من اُمّة محمّد اُمّة يعني: علي بن أبي طالب (يهدون بالحق) يعني: يدعون بعدك ـ يا محمّد ـ إلى الحق (وبه يعدلون) في الخلافة بعدك….
وفي كتاب فهم القرآن عن جعفر الصادق، في معنى قوله: (وممّن خلقنا اُمّة يهدون بالحق وبه يعدلون) قال: هذه الآية لآل محمّد.
وجدت بخط أبي سعد بن دوست، في أصله»(1).
وقال الحافظ الخوارزمي: «أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد ابن عبداللّه بن الحسن الهمداني، المعروف بالمروزي، في ما كتب إليَّ من همدان، أخبرني الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد، بإصبهان، في ما أذن لي في الرواية عنه، قال: أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبدالرزاق بن عمر ابن إبراهيم الطهراني سنة 473 أخبرني الإمام الحافظ طراز المحدّثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الإصبهاني….
وبهذا الإسناد عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا، حدّثني أحمد بن محمّد السري، حدثني المنذر بن محمّد بن المنذر، حدّثني أبي، حدّثني عمي الحسين بن سعيد، حدّثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن فضيل، عن عبدالملك الهمداني، عن زاذان عن علي قال: تفترق هذه الاُمة على ثلاث وسبعين فرقة، ثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة وهم الذين قال اللّه عز وجل: (وممّن هدينا(2) امّة يهدون بالحق وبه يعدلون) وهم أنا وشيعتي»(3).
فهذان سندان من أسانيد هذا الخبر.
أمّا الحاكم الحسكاني، فقد ترجمنا له في الكتاب، فلا نعيد.
وأمّا الخوارزمي، فقد ترجموا له التراجم الحسنة، ووصفوه بالأوصاف الجميلة، وأثنوا عليه الثناء الجميل، واعتمدوا عليه ونقلوا عنه، فراجع من كتبهم: جامع مسانيد أبي حنيفة 1 : 31، بغية الوعاة 2 : 308، الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية 3 : 523، العقد الثمين في أخبار البلد الأمين 6 : 142، كتائب أعلام الأخيار في طبقات فقهاء مذهب النعمان المختار للكفوي.
فالرجل من أعلام علمائهم في الحديث والفقه والأدب، وإن حاول ابن تيمية وأتباعه الحطّ من شأنه والتقليل من منزلته عندهم.
وفي رواته:
1 ـ الأعمش.
2 ـ أبو معاوية.
3 ـ أبان بن تغلب.
4 ـ ابن مردويه.
5 ـ أبو علي الحدّاد.
وغير هؤلاء من الأئمة وكبار الحفّاظ الثقات، فكيف يقال أنّ الرواية «من الكذب البيّن»؟
والحقيقة، إنّ هذا الخبر من أصدق الأخبار وأثبتها، وذلك لأنّ المراد ليس مطلق الأُمّة، لعدم كونهم جميعاً «يهدون بالحق» بل المراد، اُمّة من اُمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ كما في الخبر أيضاً ـ.
وللأخبار في أنّ اُمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة ناجية وما عداها هالكة في النار.
إذن، ليس كلّها بهاد بالحق، بل البعض، ولابدّ وأنْ تكون هي النّاجية، وقد عيّنت الأحاديث المتواترة كحديث الثقلين وحديث السفينة الفرقة الناجية من بين الفرق.
وذكر العلاّمة الحلّي عن استاذه الشيخ نصير الدين الطوسي أنّه سئل عن المذاهب فقال: بحثنا عنها وعن قول رسول اللّه: ستفترق اُمتي… وقد عيّن عليه السلام الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه، وهو قوله عليه وآله السلام: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق. فوجدنا الفرقة الناجية هي الفرقة الإماميّة، لأنّهم باينوا جميع المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركت في اُصول العقائد.
(1) شواهد التنزيل 1 : 204 / 266 ـ 267.
(2) كذا.
(3) المناقب للخوارزمي: 331 / 351.