أسانيد الخبر في شواهد التنزيل:
وقد روى الحافظ الحاكم الحسكاني ـ المترجم في البحوث السابقة(1) ـ هذا الخبر بأسانيد عديدة، عن بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وعدّة من الصحابة، فرواه قائلاً:
1 ـ «أخبرنا أبو عبداللّه الشيرازي، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، حدّثنا أبو أحمد البصري، قال: حدّثني محمّد بن سهل، حدّثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري، حدّثنا محمّد بن أيّوب الواسطي، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ…».
2 ـ «حدّثونا عن أبي بكر السبيعي، حدّثنا أحمد بن محمّد بن نصر بن جعفر الضبعي، قال: حدّثني زيد بن إسماعيل بن سنان، حدّثنا شريح بن النعمان، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، قال: نصب رسول اللّه…».
3 ـ «ورواه في التفسير العتيق، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الكوفي، قال: حدّثني نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن محمّد بن علي، قال: أقبل الحارث بن عمرو الفهري إلى النبيّ…».
«وفي الباب عن: حذيفة، وسعد بن أبي وقّاص، وأبي هريرة، وابن عبّاس».
4 ـ «حدّثني أبو الحسن الفارسي، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن إسماعيل الحسني، حدّثنا عبدالرحمن بن الحسن الأسدي، حدّثنا إبراهيم.
وأخبرنا أبو محمّد بن محمّد البغدادي، حدّثنا أبو محمد عبداللّه بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدّثنا عبدالرحمن بن الحسن الأسدي، حدّثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا سفيان بن سعيد، حدّثنا منصور، عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان، قال: لمّا قال رسول اللّه لعليٍّ: من كنت مولاه فهذا مولاه؛ قام النعمان بن المنذر الفهري، فقال…».
5 ـ «وأخبرنا عثمان، أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي، حدّثنا الحسين بن محمّد بن مصعب البجلي، حدّثنا أبو عمارة محمّد بن أحمد المهتدي، حدّثنا محمّد بن معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقري، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول اللّه بعضد عليّ بن أبي طالب…»(2).
أقول:
ولو أردنا تصحيح كلّ هذه الأسانيد لطال بنا المقام، لكنّا نكتفي ببيان صحّة واحد منها، وهو الطريق الثاني للخبر الرابع، فنقول:
* أمّا أبو بكر محمّد بن محمّد البغدادي، فقد قال الحافظ عبدالغافر النيسابوري بترجمته: «محمّد بن محمّد بن عبداللّه بن جعفر العطّار الورّاق الحنيفي الحيري، أبو بكر بن أبي سعيد البغدادي، الفقيه. فاضل، ديّن، ظريف، قصير القامة، مليح الشمائل، حدّث عن… توفّي سنة 416»(3).
* وأمّا عبداللّه بن أحمد بن جعفر الشيباني النيسابوري، فقد ترجم له الخطيب البغدادي، فقال ما ملخّصه:
كان له ثروة ظاهرة، فأنفق أكثرها على العلم وأهل العلم وفي الحجّ والجهاد وغير ذلك من أعمال البرّ، وكان من أكثر أقرانه سماعاً للحديث، كتب الناس عنه، روى عنه: يوسف بن عمر القوّاس وابن الثلاّج وإبراهيم بن مخلد بن جعفر، وأبو الحسن بن رزقويه، وغيرهم، وكان ثقة. توفّي سنة 372(4).
* وأمّا عبدالرحمن بن الحسن الأسدي، فقد ترجم له الخطيب البغدادي كذلك، فقال:
«عبدالرحمن بن الحسن بن أحمد… الأسدي القاضي. من أهل همدان. حدّث عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمداني،… وقدم بغداد وحدّث بها، فكتب عن الشيوخ القدماء، وروى عنه: الدارقطني وحدّثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه بكتاب تفسير ورقاء وغيره، وحدّثنا عنه أيضاً أبو الحسن بن الحمامي المقرئ، وأبو علي بن شاذان، وأحمد بن علي البادا…»(5).
وجعله الذهبي من (أعلام النبلاء) وترجم له(6).
ووفاته سنة 352.
وقد ذكروا تكلّم بعض معاصريه فيه بسبب روايته عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، بدعوى أنّه لم يدركه، ومن هنا أورده الذهبي في ميزان الاعتدال(7)، وأوضح ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان بأنّ أبا حفص بن عمر والقاسم بن أبي صالح أنكرا روايته عن إبراهيم، وقالا: بلغنا أنّ إبراهيم قرأ كتاب التفسير قبل سنة سبعين، وادّعى هذا ـ أي: عبدالرحمن بن الحسن الأسدي ـ أنّ مولده سنة سبعين، وبلغنا أنّ إبراهيم قلّ أن يمرّ له شيء فيعيده(8).
أقول:
لقد كان الرجل محدّثاً جليلاً يروي عنه الدارقطني وأمثاله من الأئمّة النقدة المتقنين، وهذا القدر من الكلام فيه لا يضرّ بوثاقته:
أمّا أوّلاً: فلأنّ كلام المعاصر في معاصره غير مسموع، كما نصّ عليه الذهبي وابن حجر في غير موضع من كتبهما(9).
وأمّا ثانياً: فلأنّ مبنى هذا الكلام هو ولادة عبدالرحمن سنة 270، وأنّ ابن ديزيل قرأ التفسير قبل هذه السنة ـ كما بلغ القائل ـ، وأنّ ابن ديزيل قلّ أن يعيد قراءة شيء.
لكن إذا كانت ولادته سنة 270، ووفاة ابن ديزيل سنة 281 ـ كما تقدّم ـ، فإنّ من الجائز أن يكون قد سمع منه ما رواه عنه، أو سمع بعضه وسمّعه أبوه البعض الآخر، وإذ لا جرح في الرجل من ناحية أُخرى، جاز لنا الاعتماد على خبره، مع رواية الأكابر عنه، ولا يعارض ذلك كلام بعض معاصريه فيه خاصّةً إذا كان استناداً إلى «بلغنا» و«بلغنا».
* وأمّا إبراهيم بن الحسين الكسائي، فهو «ابن ديزيل» وقد تقدّمت ترجمته.
* وأمّا الفضل بن دكين، فمن رجال الصحاح الستّة. قال ابن حجر الحافظ: «ثقة، ثبت، وهو من كبار شيوخ البخاري»(10).
* وأمّا سفيان بن سعيد، فهو الثوري، المتقدّمة ترجمته.
* وأمّا منصور، فهو منصور بن المعتمر، وهو من رجال الصحاح الستّة، قال الحافظ: «ثقة ثبت، وكان لا يدلّس»(11).
* وأمّا ربعي، فهو ربعي بن حراش: من رجال الصحاح الستّة، قال الحافظ: «ثقة، عابد، مخضرم»(12).
* وأمّا حذيفة بن اليمان، فهو الصحابي الجليل.
(1) انظر: ص 62 من هذا الجزء.
(2) شواهد التنزيل 2 : 286 ـ 289.
(3) المنتخب من السياق: 40 رقم 60.
(4) تاريخ بغداد 9 : 391.
(5) تاريخ بغداد 10 : 292.
(6) سير أعلام النبلاء 16 : 15.
(7) ميزان الاعتدال 2 : 556.
(8) لسان الميزان 3 : 411.
(9) من ذلك: قول الذهبي في الميزان 1 : 111: «كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيّما إذا لاح لك أنّه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلاّ من عصم اللّه، وما علمت أنّ عصراً من الأعصار سلم أهل من ذلك، سوى الأنبياء والصدّيقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس»، وقول ابن حجر في اللسان 5 : 234: «ولا نعتد ـ بحمد اللّه ـ بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض».
(10) تقريب التهذيب 2 : 110.
(11) تقريب التهذيب 2 : 277.
(12) تقريب التهذيب 1 : 243.